إسرائيل وسياسة الإفلات من العقاب

ت + ت - الحجم الطبيعي

في الأشهر التسعة الأخيرة من عام 2018، وفقاً للأمم المتحدة، تعرض فلسطينيون للقتل معظمهم من الأطفال- بمعدل نحو واحد في اليوم- بينما كانوا يشاركون في الاحتجاجات على طول السياج الحدودي مع غزة، حول حقهم في العودة إلى منازل الآباء، التي هجروا منها قسراً.

ومعظم الضحايا لم يكونوا مسلحين ولم يشكلوا أي خطر على دولة الاحتلال وكان من بينهم مسعفون وصحافيون، والقليل منهم كانوا يحملون الحجارة في أيديهم، ويهتفون بالشعارات الوطنية.

ومع ذلك، استمرت إسرائيل في سياستها غير الأخلاقية وغير القانونية ضدهم، فأوعزت لقواتها بإطلاق النار، والغازات السامة، والقصف المدفعي وحتى الطيران بقتل المحتجين، بمن فيهم أولئك الذين لا يشكلون أي تهديد حقيقي.

المستشفيات الفلسطينية، التي تعاني أصلاً من الحصار الإسرائيلي، وصلت إلى حد الانهيار في التعامل مع طوفان المصابين الذين كان يتم نقلهم من الحدود.

وفي محاولة للدفاع عن إسرائيل، اعتبر دبلوماسيوها التظاهرات غير شرعية وإرهابية تنظم من قبل إرهابيين فلسطينيين في «منطقة حرب». ويبدو، للأسف، أن إسرائيل ترغب في شن حرب على موجات الأثير، وكذلك على الأرض، ضد الفلسطينيين.

إن هذا التجاهل الفاضح لأرواح الأبرياء وعدم المساءلة يعتمد على سياسة الاستياء والتفكيك التي لها تداعيات عميقة في إسرائيل، فإذا كان بوسع المرء أن يقتل بمنأى عن العقاب، فبإمكانه أن يكذب من دون عواقب!

وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قد دعا بشكل غير متوقع إلى إجراء انتخابات مبكرة في ديسمبر الماضي، فيما يبدو أنها محاولة شفافة للحد من اتهامات الفساد المحتملة. جاء قرار نتنياهو بحل الكنيست بعد أيام من توصية مكتب المدعي العام بإدانة النائب العام الإسرائيلي لنتنياهو بتهمة الرشوة والفساد.

ويعتزم نتنياهو الترشح لولاية خامسة في منصبه والبقاء في الحياة السياسية لأمد طويل. ويقال إن محاميه يجادلون بأن لائحة الاتهام يحتمل أن تتأخر. وفي الحملة الانتخابية، يظهر نتنياهو نفسه زعيماً محاصراً تضطهده نخبة يسارية تتألف من محامين وصحافيين ومدافعين عن حقوق الإنسان.

وعلى إيقاع خطابات صديقه الرئيس الأميركي دونالد ترامب، أخبر نتنياهو المراسلين أنه لا يمكن لإسرائيل أن تختار قيادتها إلا من خلال صناديق الاقتراع وليس عبر التحقيقات القانونية، وادعى أن المعايير الديمقراطية، وهي القواعد غير المكتوبة للتسامح وضبط النفس، تخص الضعفاء، وليس الأقوياء،

ولكن من دون وجود معايير قوية، فإن الضوابط والتوازنات الدستورية هي أقل دعامة للديمقراطية من السراب. لقد تم تجاهل كلمات أحد الروائيين: «حتى الاحتلال الذي لا يمكن تجنبه هو احتلال فاسد لفترة طويلة».

ويحذر نتنياهو الإسرائيليين بفكرة أن حل الدولتين سينتظر إلى أن ترى إسرائيل أن الظروف مهيأة، وهو يلمح إلى أن أصدقاء جدداً لإسرائيل في واشنطن سيقدمون اقتراحاً سيبتلعه الفلسطينيون. هذه هي السخرية الصرفة.

لا توجد خطة جديدة- مجرد إعادة تشكيل للوضع الراهن، تتم المحافظة عليه بالقوة من قبل إسرائيل، ومع الفلسطينيين داخل وخارج الحدود الخاضعة لإسرائيل والاعتماد عليها. يتعين على الإسرائيليين أن ينهوا احتلالهم لفلسطين، الذي يحطم مجتمعهم ويخنق الفلسطينيين.

* رئيس تحرير صحيفة «غارديان» البريطانية

 

Email