الطاقة المتجدّدة في الشرق الأوسط.. إمكانات مشرقة

ت + ت - الحجم الطبيعي

لا شك أن إمكانات الطاقة المتجددة في منطقة الشرق الأوسط، تبدو مشرقةً، إذ شهدت العطاءات المطروحة مؤخراً في كل من السعودية ومصر، إقبالاً لافتاً من المستثمرين، وأسعاراً حطمت جميع الأرقام القياسية لصناعة الكهرباء.

ففي السعودية، على سبيل المثال، قدم سبعة من المشاركين الثمانية في عطاء مشروع «سكاكا» لإنتاج 300 ميغاواط من الطاقة الكهربائية باستخدام الطاقة الشمسية، عرضاً أقل من 3 سنتات أمريكية للكيلوواط الواحد.

وفي مصر، قدم خمسة من المشاركين الستة في عطاء مشروع «كوم أومبو» لإنتاج 200 ميغاواط من الطاقة الكهربائية باستخدام الطاقة الشمسية، عطاءً لإنتاج الطاقة بتكلفة أقل 3.5 سنتات أمريكية للكيلوواط الواحد. وهذه نتائج مذهلة بحق، تستحق التوقف أمامها، والتفكير ملياً في انعكاساتها على مزيج الطاقة بالمنطقة على المدى البعيد.

وتعكس نتائج المناقصات أعلاه، مزايا مصادر الطاقة المتجددة بالشرق الأوسط، وحاجة دول المنطقة لهذه التقنيات، إذ تتمتع المنطقة بموارد وفيرة عالية الإنتاجية. فعلى سبيل المثال، تمتلك ألواح الطاقة الشمسية الكهروضوئية في دول المنطقة، طاقة إنتاجية تُقدر بضعف الألواح المماثلة في غربي أوروبا. وبشكل عام، باتت الدول النامية تستقطب اليوم، غالبية الاستثمارات الموجهة لمصادر الطاقة المتجددة، وهو أمرٌ مشجعٌ لمستقبل هذه التقنيات بمنطقة الشرق الأوسط.

وتتمتع دول المنطقة، على وجه الخصوص، بميزة أخرى، تتمثل في نموذج أثبت فاعليته لجذب استثمارات القطاع الخاص، وهو نموذج منتجي الطاقة المستقلين، أو ما يسمى بنظام (البناء ثم التملك ثم التشغيل).

ويمتاز هذا النموذج بقدرة عالية على استقطاب التمويل من المصارف والمؤسسات المالية (بدون حق الرجوع)، على أساس الإيرادات المستقبلية للمشروع، الأمر الذي يجعل منه نموذجاً مناسباً لمشروعات الطاقة المتجددة، والتي تتطلب تكاليف رأسمالية كبيرة في بداية المشروع، يتبعها نفقات تشغيل وصيانة منخفضة جداً.

ومما يزيد من حاجة المنطقة إلى مصادر الطاقة المتجددة، نقص موارد الغاز الطبيعي، ما يدفع دول المنطقة إلى الاستثمار في موارد غاز جديدة باهظة الثمن، ويصعب استخراجها، مع قيام بعض الدول باستيراد الغاز أو استهلاك الوقود السائل في توليد الطاقة الكهربائية. ويمكن للموارد المتجددة، في حال أن تم توظيفها على النحو الصحيح، أن تخفف من وطأة هذه المشاكل.

وعلى الرغم من ذلك، هناك عدة مخاطر قد تُحيد استثمارات الطاقة المتجددة عن مسارها. أهمها، أن الاستثمار في الطاقة، حتى في محطات إنتاج الطاقة ذات السعات الصغيرة نسبياً، يشكل التزاماً بطبيعته طويل المدى، ويتطلب التوقيت المناسب ووضع الآليات الملائمة لإدارة المخاطر. ومن المخاطر التي تواجهها المنطقة، هو مواصلة تقديم الدعم المباشر وغير المباشر للموارد غير المتجددة، وهو أمرٌ قد يصعب التخلص منه.

فعلى سبيل المثال، تُقدر استراتيجي & أن التكلفة الحقيقية لإنتاج الطاقة الكهربائية (من دون احتساب تكاليف نقل وتوزيع الطاقة)، في دول مجلس التعاون الخليجي، تتراوح ما بين 8 إلى 9 سنتات أمريكية للكيلوواط الواحد، أي بنسبة تقدر ما بين 25-30 في المئة أعلى من الولايات المتحدة الأمريكية، في حال إن تم احتساب التكلفة الحقيقية للوقود الأحفوري المستخدم في إنتاج الطاقة.

وتتمثل المخاطر الأخرى في أن أسواق الائتمان الإقليمية، ليست متطورة بالقدر الكافي، للتعامل مع الطبيعة الفريدة لمشاريع الطاقة المتجددة، والتي تتطلب تكاليف رأسمالية أولية ضخمة.

من جهة أخرى، فإن المناخ المالي والاقتصادي الأوسع هو الآخر غير مواتٍ، بسبب انخفاض حجم الاستثمارات. وبطبيعة الحال، فإن انخفاض سعر النفط، يرفع تكلفة رأس المال لمصادر الطاقة المتجددة، ما يعزز القدرة التنافسية للوقود الأحفوري. وأخيراً، يتعين على الحكومات وضع معايير إقليمية موحدة، لتعزيز تدفق الكهرباء عبر الحدود.

إن هذه المعايير من شأنها إزالة الحواجز التي تفكك السوق الإقليمية. ومن جهة أخرى، هناك بالفعل معايير مقبولة للعديد من تقنيات الطاقة الشمسية الكهروضوئية.

* شريك في «استراتيجي & الشرق الأوسط (بوز آند كومباني سابقاً)»

Email