هبوط الدولار وتعافي الاقتصاد المصري

ت + ت - الحجم الطبيعي

الأمر المؤكد أن هبوط سعر صرف الدولار ليس هو المؤشر الوحيد على تعافي الاقتصاد المصري لكنه، ضمن مؤشرات عديدة، يؤكد أن الاقتصاد المصري بات على الطريق الصحيح، حيث شهدت أسعار الدولار حالة من الاستقرار في معظم البنوك وشركات الصرافة في نهاية الأسبوع الماضي وسط هدوء في حركة التعاملات بيعاً وشراء بعد أيام من تراجع أسعار الدولار ليفقد نحو 35 قرشاً من سعره أمام الجنيه على مدار أيام عدة وبنسبة وصلت إلى 3% من قيمته.

قرار تحرير سعر الصرف عام 2016 كان قراراً صادماً لكنه كان ضرورياً واستراتيجياً لأنه ليس من المعقول أو المقبول أن يتم استنزاف الاحتياطي الاستراتيجي لصالح دعم الدولار.

لقد بلغ حجم تدفقات النقد الأجنبي من مختلف الموارد أكثر من 121 مليار دولار منذ تحرير سعر الصرف في 3 نوفمبر 2016، وهي تدفقات مرشحة للزيادة خلال الفترة المقبلة بعد أن تخطى الاقتصاد المصري أصعب المراحل وتجاوزها إلي التعافي والانطلاق نتيجة إجراءات الإصلاح الاقتصادي، وزيادة إقبال المستثمرين العرب والأجانب على الاستثمار في مصر، باعتبارها الآن من أفضل الأسواق الناشئة، وتحسن تنافسية الاقتصاد المصري، ما جعل مصر تقفز مواقع عدة في تقرير التنافسية الذي أشاد بالإصلاحات الاقتصادية في مصر، وتوقع أن تحتل مصر المركز الـ 30 عالمياً في عام 2030.

على الجانب الآخر فقد نجحت السياسة النقدية التي اتبعها البنك المركزي فى السيطرة على الضغوط التضخمية، حيث انخفض المعدل السنوي للتضخم العام.

وطبقاً لتقرير السياسة النقدية الذي صدر مؤخراً وأعده البنك المركزي، فقد ارتفع صافي تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر في مصر على أساس سنوي خلال الربع الثاني من عام 2018، وذلك للمرة الأولى منذ الربع الثاني من عام 2017.

في حين سجل استثمار محفظة الأوراق المالية في مصر صافي تدفقات للخارج خلال الربع الثاني من عام 2018، وذلك للمرة الأولى منذ الربع الثالث من عام 2016، كما سجلت إجمالي الاحتياطيات الدولية لدى البنك المركزي 44.5 مليار دولار أمريكي في أكتوبر 2018، وهو أعلى مستوى لها تاريخياً ولأول مرة.

ومن المستهدف انخفاض العجز الكلى للموازنة العامة للدولة، ومن المتوقع استمرار هذا الانخفاض مستقبلاً.

هذه التطورات الاقتصادية الإيجابية دفعت كريستين لاجارد المديرة العامة لصندوق النقد الدولي مؤخراً إلى اعترافها بأن مصر حققت تقدماً اقتصادياً كبيراً يؤكد نجاحها في تحقيق الاستقرار الاقتصادي الكلى، مشيرة إلى أن معدل النمو في مصر من أعلى المعدلات المسجلة في المنطقة، كما يسير عجز الميزانية في اتجاه الانخفاض الدائم، وانخفاض التضخم إلى معدلات غير مسبوقة، ما انعكس على انخفاض معدل البطالة إلي 10% تقريباً، وهو أدنى معدل له منذ عام 2011، ما جعل خبراء الصندوق يشيدون بما تحقق من إنجاز في وثيقة المراجعة الرابعة لأداء الاقتصاد المصري، تمهيداً لرفعها إلى مجلس إدارة الصندوق والموافقة عليها.

ليس هذا فقط بل إن مؤسسات التصنيف الائتماني التي هي شركات خاصة مستقلة تقوم بتقييم الجدارة الائتمانية للدول أشادت هي الأخرى بما تحقق من طفرة هائلة في الاقتصاد المصري، وأبرز هذه الوكالات وكالة «موديز» لخدمة المستثمرين، ووكالة «ستاندرد آندبورز»، ووكالة «فيتش» للتصنيف، وكل منها يمارس نشاطه في تقويم قدرة الدول والشركات والمؤسسات المالية على الوفاء بالتزاماتها المالية بصورة دورية فيما يزيد على 100 دولة.

هذه الوكالات رفعت تقييمها للتصنيف الائتماني لمصر من تقييم سالب وضعيف إلى نظرة مستقبلية إيجابية، وموقف ائتماني قوي نتيجة الإصلاحات الاقتصادية والمالية التي أدت إلى زيادة الإنتاج المحلى الإجمالي.

ما حدث من تطورات اقتصادية خلال السنوات الثلاث الأخيرة يعتبر نجاحاً كبيراً لكنه يحتاج إلى استكمال لكي يجتاز الاقتصاد الوطني مرحلة عنق الزجاجة التي مر بها، ولذلك فإن الرئيس عبد الفتاح السيسي حريص دائماً على الإشادة بموقف الشعب المصري وقدرته على تفهم متطلبات الإصلاح الاقتصادي وتحمل تبعاته.

الاقتصاد الريعي مطلوب وهو الاقتصاد القائم على الخدمات والسياحة لكنه لا بد أن يكون إلى جوار الاقتصاد الإنتاجي القائم على التوسع في الإنتاج بمختلف أشكاله (صناعي، زراعي، تكنولوجي)، لتتحول مصر إلى صين العرب وأفريقيا من خلال تصدير منتجاتها إلى جميع دول العالم وخاصة الدول الأفريقية والعربية التي تربطنا بها علاقات سياسية واقتصادية متميزة، وهناك العديد من الخطوات التي بدأت في هذا المجال مثل مشروع المليون ونصف المليون فدان، ومشروعات الاستزراع السمكي، ومدينة الأثاث في دمياط ومدينة الجلود في الروبيكي، إضافة إلى تحويل منطقة شرق بورسعيد إلي قلعة إنتاجية تصديرية لكل دول العالم.

أعتقد أن الفترة القليلة المقبلة سوف تشهد طفرة اقتصادية هائلة في مختلف المجالات تستكمل خطوات الإصلاح، التي تحققت لتبدأ بعدها مرحلة حصاد ثمار الإصلاح لكل المواطنين.

 

 

Email