رأي

حلقة فلسطينية مفرغة

ت + ت - الحجم الطبيعي

لا أظن أن كثيرين في الشارع الفلسطيني يربطون بين مشاكلهم وحلولها، فضلاً عن قضيّتهم، بحكومة السلطة الفلسطينية. لذلك، باستثناء المستوزرين ومن يطوف حولهم، لا أحد ينظر لاستقالة حكومة الحمدالله وبديلها المقبل بعين الرقّب، ناهيك عن الرضى وتوقّع الأفضل.

أي نوع من المشاكل الفلسطينية هي مجرد تفاصيل صغيرة تذوب في بحر القضية ذاتها التي عمرها قرن من الزمان ومنذ ما قبل وعد بلفور المشؤوم الذي فرش الطبقة الأولى لتربة أنبتت المشروع الصهيوني في فلسطين.

هنا يحتاج الأمر إلى إعادة تسلسل للموضوع الذي يراد له أن يتحول من مبدأ إلى تفصيل، ومن قضية وطنية إلى مشكلة سياسية فمسألة خلافية ثم سوء فهم مع «أولاد العم». على رأس الهرم المتسلسل تتربع قضية بدأت بتشرّد شعب كامل، ولا يزال مشرّداً، وعصابات احتلت وطناً، ولا تزال تحتلّه، وأرض نهبت لصالح مستوطنين غزاة، ولا تزال تُنهب، وشعب تعرّض للقتل والاعتقال، ولا يزال.

هذا مشهد صراعي ودموي تحكمه أدوات مجرّبة تاريخياً، وليس مشهداً خلافياً تحلّه «إجراءات» شكلية وتدوير زوايا ولعبة «غوغلة» في محرّك البحث. وبهذا المعنى، فإن الأداة التي لا تزال تحتكر القدرة على التمثيل والفعل والتأثير في هذا الصراع، هي منظمة التحرير الفلسطينية، وليس أي تشكيل آخر.

السلطة الفلسطينية وُلدت من رحم اتفاق أوسلو الذي فشل بامتياز، وأطلقت عليه «إسرائيل» مئات رصاصات الرحمة، بلا رحمة. وعندما تكتشف أنك تسير في الطريق الخطأ، لا تواصل السير فيه إلا إذا كنت بلا هدف.

وبالعودة إلى حكومة الحمدالله، البعض يقول «الحمد لله أنها استقالت»، وآخر يقول «الحمد لله جاء دوري للمشاركة»، وثالث يقول «كنا أمام حكومات عباسية وهنية وفياضيّة ولم يتغيّر شيء للأفضل». لم يتغيّر ولن يتغيّر طالما بقي الفاعلون الفلسطينيون يدورون في حلقة مفرّغة اسمها سلطة وحكومة ومعالي وزير وسعادة سفير وحضرة غفير. فـ«المعالي» لا يمر من بوابة مفتاحها كبسة زر تحت يد مهاجرة مجنّدة في جيش احتلال، و«سعادته» الذي يمثّل السلطة أقل فعلاً وتأثيراً مما كان ممثل المنظمة.

القضية الفلسطينية بحاجة إلى إعادة اعتبار أولاً كقضية شعب لا يزال بلا وطن، وهذا معناه أن يعاد الاعتبار للأداة النضالية، وهي هنا حركة تحرر وليست حكومة. فالتاريخ عرف حكومات ظل وحكومات في المنفى، لكنه لم يعرف حكومات تحت الاحتلال.

المطلوب فلسطينياً سهل جداً إذا وضع الجميع قلبه وعقله وروحه رهن إشارة الوطن الجريح، ونزع بصره عن «المناصب والمكاسب». المطلوب قرار بإنهاء الانقسام على قاعدة إعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية، منظمة جديدة بالأحرى، على أنقاض صيغة سلطتي الضفة وغزة، وحكوماتهما وبساطهما الأحمر.. دماً.

Email