الردع بالحريات وحقوق الإنسان

ت + ت - الحجم الطبيعي

في المؤتمر الصحفي المشترك في القاهرة بين الرئيس المصري السيسي والرئيس الفرنسي ماكرون، أول من أمس الاثنين، أوضح الرئيس السيسي موقف الحكومة المصرية من الاتهامات التي تلاحقها بمناسبة وبغير مناسبة بما يسمى انتهاكات جسيمة للحريات وحقوق الإنسان، ولا يخفى عن فطن حصيف أن تلك الاتهامات ستظل تحركها مصادر إعلامية موالية لجماعة الإخوان، التي ذكّر الرئيس المصري ضيفه الفرنسي بأن الشعب المصري قد أسقط محاولاتها الفاشلة لإقامة دولة دينية، تبدأ في مصر ولا تنتهي بالامتداد في أنحاء دول المنطقة، فضلاً عن عدد من المنظمات الحقوقية الدولية المعادية لمصر، والتي تستمد تقاريرها من جمعيات ومراكز أبحاث تمولها بسخاء جماعة الإخوان وأنصارها في الخارج والداخل، لأهداف سياسية، ليس لها علاقة بالدفاع عن الحقوق والحريات أما علاقتها الوثيقة فهي رفض ما يسمونه الانقلاب العسكري الذي حدث في مصر في الثلاثين من يونيو والثالث من يوليو 2013، بعد أن صورت لهم أوهامهم أن خروج نحو 30 مليون مصري إلى الشوارع والميادين للمطالبة بسقوط دولة المرشد وعصابته، لم يكن سوى «فوتوشوب» صنعه المخرج خالد يوسف، في الفيلم الذي صوره لتلك التحركات المليونية.

ورداً على قول ماكرون إن الاستقرار والسلام يسيران جنباً إلى جنب مع احترام الكرامة الفردية، وسيادة القانون، وإنه لا يمكن فصل البحث عن الاستقرار عن حقوق الإنسان، دعا الرئيس السيسي ضيفه إلى ضرورة النظر إلى قضية حقوق الإنسان بمنظور المصالح الداخلية للدول، وفي سياق الاضطرابات التي تعرض مصر والمنطقة لمخاطر جمّة.

وكان من الطبيعي أن يفرق الرئيس السيسي بين حريات الرأي والتعبير التي تصونها القوانين وينص عليها الدستور، وبين السماح باستخدام تلك الحريات لهدم الدولة المصرية.

وبذكاء بالغ، حول الرئيس السيسي المؤتمر الصحفي إلى منصة يشرح فيها لضيفه، وللعالم، الظروف الاستثنائية التي تمر بها مصر، وهي تقف وحيدة للتصدي لموجات هائلة ومدمرة من الإرهاب، الذي يحظى بدعم وتمويل إقليمي ودولي.

كما ربط السيسي بمهارة بين الحقوق السياسية، والحقوق الاقتصادية، والاجتماعية التي يجري تجاهلها عادة، مبيناً الجهود الجبارة التي بذلتها الدولة في ظل حرب شرسة على الإرهاب، لتحقيق إنجازات في مجالاتها المتعددة، لصالح الشعب المصري.

ما فات الرئيس السيسي أن يذكره أن مصر ليس بها معتقلون سياسيون، تصحيحاً للتصريح الذي استبق به الرئيس الفرنسي زيارته للقاهرة، أما الحقيقة فهي أن جميع السجناء والمحتجزين يخضعون لمحاكمات في قضايا جنائية، وألقي القبض عليهم بمعرفة النيابة العامة، وأن عدد هؤلاء لا يتجاوز 8 آلاف وليس 60 ألف معتقل كما تروج بعض الصحف الفرنسية، ومعظمهم من قيادات وأعضاء جماعة الإخوان التي أدرجت في القانون المصري كجماعة إرهابية.

أما ما لم يذكر في المؤتمر الصحفي فهو أن الرئيس الفرنسي، الذي اضطر تحت وطأة الضغوط التي تمارسها منظمات غير حكومية في بلاده، لفتح هذا الملف، لم يهتم بالتناقض الذي أثاره كلامه، مع أوضاع القتلى والمعتقلين من السترات الصفراء في بلاده، والمبرر الذي ساقه لذلك التناقض أنهم مخربون، ولو أنه أنصف وابتعد قليلاً عن ضغوطه، لأدرك أن تهم التخريب والحرق والتحريض على الفوضى، هي نفسها ما تلاحق المسجونين ممن يجري محاكمتهم في مصر.

أما الأهم من كل هذا أو ذاك فهو أن الردع والتهديد باسم الحريات وحقوق الإنسان قد دمر العراق وأفغانستان وليبيا وسوريا، وأن معايير مزدوجة يجري استخدامها من قبل الولايات المتحدة والغرب لقضية الحقوق والحريات للدفاع عن مصالحهم، على حساب مصالح شعوب ما يسمونه الدول المارقة.

وما دمنا نتحدث عن الإنصاف فإن أبسط مقارنة بين أحوال مصر قبل إعلان 3 يوليو الذي أسس لنظام 30 يونيو، تشير بوضوح إلى النجاح في وقف الانهيار الهائل في مؤسساتها، والتوتر المخيف الذي كاد أن يؤدي إلى حرب أهلية، ويحول البلاد إلى دولة فاشلة، كما هو الحال في بعض دول المنطقة.

ومن الإنصاف أيضاً القول إن العدو الأول لحقوق الإنسان هو الإرهاب والعنف والخراب والدمار الذي تشيعه حركات الإرهاب في المنطقة، والتي قد تضطر الدولة الوطنية، في سياق حربها المشروعة عليه، أن تقوم ببعض التجاوزات وهو ما شهدناه في الولايات المتحدة الأمريكية بعد أحداث سبتمبر الشهيرة، وما نراه في الدول الغربية، التي كانت تظن أنها بمنأى عن الإرهاب، الذي لا يدخل الدفاع عن مرتكبيه في بلادها أو في غيرها من البلاد، ضمن المواثيق الدولية والأدبيات المهنية للمدافعين عن حقوق الإنسان.

Email