الإمارات ملتقى قادة الديانات والتعددية

ت + ت - الحجم الطبيعي

إن التعددية الدينية في دولة الإمارات العربية المتحدة ظاهرة صحية طبيعية في دولة منفتحة على التنوع الحضاري والثراء المعرفي منذ العصور القديمة، حيث تم الكشف الأثري عن دير وكنيسة في جزيرة صير بني ياس تعود إلى القرن السابع الميلادي واليوم، حيث تشهد الدولة نهضة حضارية حديثة ومعاصرة توجتها القيادة الرشيدة بإصدار عدد من القوانين والممارسات التي تعزز هذا التنوع والتعددية في المجتمع المتسامح بازدهار والمتعايش بسعادة وحرية وحوار فتعاليم الدين الإسلامي هي الأساس والمنطلق لمنهجية الوسطية والاعتدال وعليهما تبنى الحياة الكريمة لجميع بني الإنسان حيث جاء في القرآن الكريم (لا إكراه في الدين) وقوله تعالى: «وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا» الحجرات: 13 وقوله سبحانه: «لكم دينكم ولي دين».

وقد أكد هذا المنحى والنهج رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله «ألا من ظلم مُعاهداً أو انتقصه أو كلفه فوق طاقته أو أخذ منه شيئاً بغير طيب نفس فأنا حجيجه يوم القيامة» رواه أصحاب السنن.

وتعد دولة الإمارات نموذجاً للتعايش الحضاري والتسامح الديني بما توفره للأقليات من بيئة عمل ورضىً وظيفي، واستقرار نفسي، وسكن، ودور عبادة.. باعتبارها دولة عربية إسلامية، تؤكد هويتها وأصالتها والتسامح الديني فيها.

ولذلك كان من الطبيعي أن تعززت العلاقات الرسمية والدينية بين دولة الإمارات العربية المتحدة، وحاضرة الفاتيكان منذ عهد البابا بندكت السادس عشر إلى العهد الحالي لقداسة البابا فرانسيس، بابا الكنيسة الكاثوليكية، حيث سبق أن زار العديد من الوفود ـ البابا بندكت الذي وصف دولة الإمارات حينها بأنها واجهة للسلام والاستقرار في العالم، يتعايش فيها أصحاب الديانات المختلفة، وقال: إن الإمارات نموذج لدولة إسلامية متسامحة، وتعمل على تشجيع الحوار بين أبناء الأديان وتدعو إلى خير البشرية جمعاء، فالإمارات بفضل توجيهات قيادتها الحكيمة تعد نموذجاً للتعايش بين مختلف الشعوب على اختلاف أديانهم وألوانهم وأعراقهم.

ثم تواصلت زيارات الوفود بين الجانبين إلى أن توّجت بزيارة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ـ ولي عهد أبوظبي، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة ـ في منتصف سبتمبر 2016 إلى إيطاليا والفاتيكان والتي أسست لرؤية عميقة لمستقبل التعاون الدولي أعرب خلالها البابا فرانسيس عن سعادته بلقاء صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان وبأهمية التعاون المشترك وتبادل الرأي في القضايا التي تهم الجانبين، وقد أكد حينها سموه بأن دولة الإمارات العربية المتحدة حريصة على تعزيز العلاقات مع دولة الفاتيكان انطلاقاً من إيمانها بأن العالم في حاجة اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى مدّ جسور الحوار والتعاون بين مختلف الثقافات والديانات للتصدي لمثيري الفتن الدينية والطائفية والعنصرية التي تهدد أمن العالم واستقراره..

وتحدث البابا فرانسيس مشيداً بالجهود التي تبذلها دولة الإمارات لنشر التسامح والحوار والتعايش بين مختلف الشعوب.

هذا وينحدر سكان دولة الإمارات العربية المتحدة من قبائل عربية ضاربة الجذور في أصالتها وقيمها وعاداتها وتقاليدها النابعة من جوهر الدين الإسلامي الحنيف والإمارات - كبقية دول الخليج - تعيش مراحل نهوض حضاري سريع، فكان ذلك يتطلب استقدام خبرات وكفاءات عمالية من شتى دول العالم للعمل في المشاريع العمرانية والزراعية والصناعية والنفطية وغيرها، وتنتمي هذه الأيدي العاملة بشكل رئيس إلى جنوب وجنوب شرق آسيا، مع وجود عدد كبير من دول الشرق الأوسط، وأوروبا، وآسيا الوسطى، والولايات المستقلة التي كانت ضمن الكومنولث، وشمال أمريكا.

وتعد دولة الإمارات العربية المتحدة من الدول الأكثر استجابة لروح التفاهم الديني والتواصل الحضاري، نظراً لاستقطابها مئات الجنسيات والأعراف والديانات المنخرطة في سوق العمل، والأنشطة التجارية والاستثمارية الرائجة في الدولة.

ولأن قيادة الدولة، وتوجهات الحكومة تسعى للتميز والجودة في بنائها الحضاري المتسارع، ولما يتمتع به المجتمع الإماراتي من استقرار وعدالة ورخاء، كان لابد من إصدار التشريعات الموائمة لاستراتيجية الدولة المبنية أصلاً على روح التسامح، تجاه كافة الموظفين والعمال والزائرين، وتهيئة الظروف الثقافية والدينية والإنسانية لهم حتى يمارسوا عقائدهم وشعائر عباداتهم بحرية واحترام متبادل، فالدولة والمجتمع على يقين تام بأن تحسين العمل وازدهار الأنشطة التجارية والاستثمارية لا يكمله إلا تحسين ظروف العامل النفسية والصحية والإنسانية، وما هذا إلا ترجمة حقيقية لروح التعاليم الإسلامية التي شعارها الرحمة والعدالة.

إن مجتمع دولة الإمارات العربية المتحدة في ظل قيادته الرشيدة يعيش ثقافة التسامح والتعايش الحضاري بين جميع مكونات المجتمع من مواطنين ووافدين باحثين عن أفضل بيئات التعاون والاستثمار والعمل الشريف في ظل الحقوق والحريات التي يصونها دستور الدولة وفق ما جاء في المادة «40» وقد نصت على أنه «يتمتع الأجانب في الاتحاد بالحقوق والحريات المقررة في المواثيق الدولية المرعية، أو في المعاهدات والاتفاقيات التي يكون الاتحاد طرفاً فيها، وعليه الواجبات المقابلة لها».

كما نص الدستور على صون شعائر الأديان ومنع الإساءة إليها فصدر بذلك مرسوم القانون الاتحادي رقم «2» لسنة 2015 فحظّرت المادة «4» منه الإساءة إلى أي دين من الأديان أو إحدى شعائرها أو مقدساتها أو تجريحها أو التطاول عليها أو السخرية منها أو المساس بها أو التشويش على إقامة الشعائر أو الاحتفالات الدينية المرخصة أو تعطيلها بالعنف والتهديد، كما حظرت التعدي على أي من الكتب السماوية بالتحريف أو الإتلاف أو التدنيس أو الإساءة بأي شكل من الأشكال، كما حظّرت التطاول على أحد الأنبياء أو الرسل أو زوجاتهم أو أصحابهم، أو السخرية منهم أو المساس بهم أو الإساءة إليهم، وحظّرت كذلك التخريب أو الإتلاف أو الإساءة أو التدنيس لدور العبادة وللمقابر والقبور أو ملحقاتها أو أي من محتوياتها.

وكل ما سبق تؤكده الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز والعنصرية – المادة 2 الفقرة د-وفيها «يتمتع شعب دولة الإمارات العربية المتحدة بقيم التسامح والترابط والتآخي مع مختلف الشعوب والأجناس وذلك نابع من قيم وتعاليم الدين الإسلامي، ومن واقع الاتصال والتعامل التجاري مع مختلف دول العالم، حيث تعد الدولة نقطة اتصال بين الشرق والغرب، ومنطقة تواصل تجاري وحضاري مع العالم..».

وعليه فإن الحماية القانونية متوفرة للجميع وفق مواد القانون الاتحادي رقم «2» لسنة 2015 وهي المواد «4-6-13-15» تحديداً، كما ضمن القانون للجميع حقوق التعليم والعمل والرعاية الصحية.

يضاف إلى ذلك أن الدولة قدمت العديد من المبادرات الحمائية والحضارية في ظل الانفتاح على الحداثة والمعاصرة والتطور من أهمها إنشاء وزارتي التسامح والسعادة، كما رعت وزارة الخارجية ودعمت عدداً من المنتديات والمجالس المحلية والدولية كمجلس حكماء المسلمين، ومنتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة، وقد أثمر ذلك عدداً من الفعاليات واللقاءات الدولية بين القيادات الدينية والفكرية أهمها نشر ثقافة السلام والتعايش بين الأديان، كل ذلك جعل من دولة الإمارات منصة للحوار الحضاري والثقافي والتعايش السلمي بين الناس وها هي الإمارات تتربع قمة ملتقى الثقافات والحضارات بين الشرق والغرب والشمال والجنوب، فتحت قبة لوفر أبوظبي تلاقى قادة العالم مؤخراً وعبروا عن إبداعات الأمم طموحات الشعوب كافة حيث تعانقت على أرض الإمارات كل دروب الحياة الكريمة وهي تحتضن أكثر من مئتي جنسية وفرت لهم الدولة كل سبل السعادة والإسعاد..

ويؤمن صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، إيماناً راسخاً بقيم التسامح والاعتدال والتعايش الثقافي والحضاري، ونبذ عوامل التمييز والتعصب والكراهية بين الشعوب.. فنحن نعيش في عالم متشابك المصالح، متعدد الثقافات، ولذا أشادت المنظمات الحقوقية والمراكز البحثية والمؤسسات الدينية والإعلامية بالمحتوى القانوني الذي أصدره صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، والهيئة العامة للشؤون الإسلامية والأوقاف وقد تلقت صدور هذا القانون بكل الحفاوة والإشادة فإنها ترى فيه منطلقاً لترشيد خطاب الوسطية والرحمة والتسامح الذي يعزز الصورة الناصعة لديننا الحنيف لأن الكراهية ثقافة انغلاق، تقود إلى العنصرية والعنف والتنافر بين مكونات المجتمع الواحد، ومن ثم تؤدي إلى التنافر بين الشعوب والدول والحضارات، وهذا ما لا يريده عاقل من الناس، وقد بينت كل مؤشرات الأداء والتحليل أن الهيئة العامة للشؤون الإسلامية والأوقاف في الدولة، تمتلك فكراً ريادياً متطوراً وبيئة علمية استراتيجية، تتفهم الواقع، وتستشرف المستقبل، وتعمل باستمرار على تنقية فهم الدين، وتصويب دلالات نصوصه، وتأصيل ثوابته ومتابعة المتغيرات، من خلال خطة الوعظ السنوية وخطب الجمعة ودروس المساجد والمركز الرسمي للإفتاء، والمنشورات الصادرة عنها، مما رسخ في المجتمع ثقافة التسامح واحترام ما لدى الآخرين من مميزات تثري البناء الوطني والاجتماعي والإنساني والثقافي في الدولة.

ولذلك لا يستغرب أي زائر أو سائح إلى دولة الإمارات فيرى المساجد والكنائس ودور العبادات، متاحة لجميع الأجناس والأديان، وهذا ما جعل المنظمات الدولية المعنية بالحريات الدينية تشيد بروح التسامح القائم في دولة الإمارات العربية المتحدة.

فقد أشاد فضيلة الإمام الأكبر الشيخ الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر في العديد من التصريحات بمناخ الحريات الدينية في دولة الإمارات، لافتاً إلى أن احتضان الإمارات العربية لأكثر من 200 جنسية عربية وإسلامية وصديقة وعدة عقائد وديانات، في وطن واحد، مؤشرات إيجابية لابد من الوقوف عندها وقفة إجلال واحترام وتقدير.

حياة الناس عبر التأريخ الإسلامي ومن هنا فإن من الوثائق التي يحتفظ بها الأرشيف الوطني في الدولة تؤشر إلى فهم عميق واستشراف دقيق للقائد المؤسس الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، قبل أن يصبح رئيس دولة الاتحاد فقد منح أرضاً في أبوظبي لبناء كنيسة القديس جورج للجالية الهندية الأرثوذكسية في عام 1969 ولا تزال هذه الكنيسة متنامية قائمة حتى اليوم مع نحو 76 كنيسة على مستوى إمارات الدولة.

Email