إمكانيات تحقيق الحلم العربي

ت + ت - الحجم الطبيعي

انتهت القمة العربية الاقتصادية الأخيرة في بيروت في أواخر يناير 2019 بجملة قرارات وبيانات لتفعيل العمل العربي المشترك وإنشاء صندوق للمساهمة في تنمية الدول المتضررة من الحرب في سوريا.

فعلى أنقاض وضع اقتصادي ووضع سياسي أكثر هشاشة احتضنت العاصمة اللبنانية هذا اللقاء وكلها أمل في أن تنتهي القمة بجملة قرارات تنتشل ليس فقط لبنان بل عدداً من الدول العربية المجاورة لها من محنتها الاقتصادية من جراء احتضانها آلافاً من اللاجئين السوريين الذين هجروا من بلادهم جراء الحرب.

وعلى الرغم من القرارات المهمة التي حثت عليها القمة ألا وهي إعادة سوريا إلى الحضن العربي، إلا أن القرارات السياسية يجب أن يرافقها قرارات اقتصادية تساعد الدول العربية على إعادة الإعمار وبالتالي بث الحياة في عروقها. ولكن كعادة القمم والمنتديات العربية ما إن يعود المؤتمرون إلى بلدانهم حتى تختفي القرارات في الأدراج، وكأن شيئاً لم يكن وينتهي أمر تلك القرارات لتعود لتخرج مرة أخرى في بيان ختامي في قمة عربية جديدة.

هذا الفشل العربي في تفعيل القرارات والبيانات التي تتخذ خلال القمم واللقاءات العربية مرده أسباب كثيرة منها عدم وجود استراتيجية للتعاون العربي-العربي، وعدم الاتفاق الفعلي على أبسط القواعد لتفعيل تلك القرارات واختلاف الرؤى وعدم وجود رغبة عربية حقيقة في التغير. حتى وإن اتفقت الرؤى يظل الاختلاف وارداً على أليات تفعيل القرارات، وأحياناً على المصالح الضيقة التي يحاول كل طرف الحصول عليها من وراء تفعيل هذه الاتفاقية أو تلك.

هذا الوضع ليس بجديد. فنتيجة لمواقف سياسية ومصالح آنية وايديولوجيات فكرية تضحي بعض الأنظمة بشعوبها، وتفسح الطريق بالتالي لجعل قرارات القمم غير قابلة للتطبيق. فقرارات مهمة كتلك لو أنها فعلت لأصبح للعرب شأن كبير ووضع اقتصادي مختلف.

فالإمكانيات العربية الاقتصادية لا تقل عن تلك التي تتمتع بها المجموعة الأوروبية وربما أفضل. وعلى الرغم من أن الاختلاف في الآراء وارد في أي مجموعة اتحادية أو تعاونية إلا أن الاختلاف العربي أصبح عقبة في وجه التلاقي والتعاون العربي.

فالعرب لا يخشون فقط هذا الاختلاف الشكلي بل يخشون قضايا أخرى مثل التمسك بالأيديولوجيات المتطرفة والمواقف المرتبكة والملتبسة لبعض الأنظمة العربية. ولهذا يظل التعاون والاتفاق العربي حلماً صعب المنال، ويظل المواطن العربي يتوقع أن يكون الفشل هو العلامة الفارقة في جبين المنتديات والقمم العربية السابقة واللاحقة.

هذا الإخفاق يدفعنا للتساؤل إلى متى تظل الايديولوجيات العربية عاجزة عن توفير الحلول لقضايا التخلف والفقر والنزاعات المسلحة، ومتى تستطيع مساعدة الإنسان العربي على استعادة حقه في الحياة الكريمة. فهذا الفشل قد أفسح الطريق لظهور أيديولوجيات أخرى متطرفة وعنيفة استطاعت في الكثير من الدول العربية اختطاف قطاعات من الشارع العربي وجعلها تتعاطف معها.

ولكن لم يقف القادة العرب دوماً صامتين أمام هذا الوضع. فقد اشتق عدد من الزعماء العرب شهرتهم وشعبيتهم من عملهم الدؤوب لتحقيق هذا الحلم العربي.

فقادة مثل المغفور لهم بإذن الله، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان وجمال عبد الناصر والملك فيصل بن عبد العزيز كانت تجمعهم صفة واحدة ألا وهي الرغبة في تحقيق الحلم العربي والوصول إلى صيغة توافقية تخدم الشعوب العربية. ولم يقتصر الإيمان بالقدرات العربية على قادة عظام كهؤلاء بل أن هناك زعماء معاصرين آمنوا بأن هناك الكثير من القدرات تملكها الدول العربية وشعوبها.

فقائد كصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، مثلاً، آمن بالقدرات العربية وعمل جاهداً على بث روح الحماس في الإنسان العربي عن طريق مبادرات تعليمية وإنسانية واجتماعية طموحة للارتقاء بالواقع العربي. ولكننا نحتاج إلى المزيد من المبادرات لكي ترتقي بالوضع العربي ونصل إلى المستوى المطلوب.

إن عدم وجود توافق عربي قد مهد في الماضي لظهور العديد من المشاكل الاجتماعية وأعاق كل سبل التعاون العربي. كما أن التجارب السابقة في العمل الموحد لم تكن ناجحة لأنهم لم يضعوا فيها كل الثقة والإيمان. وإن ظل الوضع كذلك فإنه سيكون العقبة الأكبر في وجه أي تقدم حضاري ترغب فيه الشعوب العربية.

فمن المؤكد أن العمل الجماعي هو الطريق نحو التقدم الحضاري. فوجود قادة يؤمنون بالعمل العربي وبضرورة وجود هذا العمل لتقدم المنطقة ككل هو السبيل لاستعادة الدور العربي في الحضارة العالمية.

Email