«صكوك» الجودة

ت + ت - الحجم الطبيعي

لدينا في عالم الإدارة مصطلح «تحذيري» شهير مفاده: «لا تعِد اكتشاف العجلة»، ويطلق على من نريد تحذيره من الإقدام على مشروع سبق اكتشافه وتجربته. بمعنى آخر ليس من الحكمة أن تهدر طاقتك في فكرة أخذت نصيبها من القبول والتجربة، مثل عجلات العربة أو السيارة. فما فائدة اختراع عجلة في ظل وجود أخرى ذات كفاءة. ولذا توجه الأنظار دوماً نحو من يأتي بجديد. وكذلك الحال في منح «صكوك الجودة» إذا جاز التعبير، فلا يعقل أن أبتكر معايير أو خطوات خلاقة لإجراءات العمل في ظل وجود جهة عالمية يمكن أن تمنحك «شهادة جودة» عبر ممثليها المحليين، لتشهد بانسيابية العمل ووضوح المعايير والمقاييس المرتبطة في الأداء.

مشكلتنا في المنطقة العربية، أننا كقياديين نركن إلى المقترحات العشوائية في تطوير آلية عمل، وتخفيض الهدر، وتحسين التواصل، وجودة الخدمة أو المنتج، في حين ننسى أن هناك منظمة دولية يمكن أن تمنحنا شهادة جودة (آيزو) في شتى الميادين منها نظام إدارة جودة العمل.

وعليه، فمن غير المعقول أن تكون معظم الدول العربية متراجعة في عدد الحاصلين على شهادة آيزو، باستثناء الإمارات التي تحتل المرتبة الأولى عربياً بأكثر من ألف شهادة آيزو، في حين كان أمام المسؤولين خيار السماح لممثل فريق المنظمة المحلي للكشف عن أوجه القصور في سلسلة الإجراءات. سواء كانت جهة خاصة أو عامة. ففي بعض الأحيان تتعطل معاملة بسيطة ليس بسبب غياب موظف بل لأنه ليس هناك أمر مكتوب في الإجراءات يحل المشكلة. وإذا تعطل نظام ما يتعامل مع قطاع عريض من المراجعين لا نجد في المعايير حلولاً ناجعة.

وقد أطلعني أحد القياديين في دول الخليج، الذي يرأس مؤسسة كبرى، على شاشة حاسوبه ليظهر كيف يتابع، لحظة بلحظة، سير العمل في مؤسسته، ومسيرة المذكرات الداخلية واعتمادها ومن يؤخرها، فضلاً عن قياس إنتاجية العاملين بمعرفة عدد المعاملات المنجزة. كما رأيت كيف يتابع عبر الشاشة dashboard تفاصيل إجازات العاملين بكل أنواعها، ومن حضر اليوم، ومن اعتذر، ومن غادر باكراً ومن حل محله، وعدد المراجعين والمعاملات وأنواعها فضلاً عن مقارنات إحصائية فورياً برسومات بيانية تظهر المعلومات بطريقة مبسطة. فصار بإمكانه طباعة ما يشاء من تلك البيانات قبل التوجه لأي اجتماع عمل ذي صلة.

وهذه الإجراءات التي نال عليها أكثر من شهادة آيزو لا تبتكرها منظمة آيزو لكن نواتها وممارساتها يجب أن تكون نابعة من الشركة وممارسة على أرض الواقع، حتى إذا ما جاء فريق آيزو صارت مهمته أسهل في تقييم الوضع الحالي ومدى انسيابيته. كمن يبني بيتاً ثم يأخذ شهادة من جهة محايدة بجودة الإجراءات التي أدت إلى المحصلة النهائية.

عملية الجودة والحصول على شهادتها مسألة في غاية الأهمية، خصوصاً في ظل تنامي أحجام المؤسسات وارتفاع معدل الميكنة في شتى مؤسسات الدول العربية. وصكوك الجودة مهمة لأنها تدفعنا نحو العمل المؤسسي، الدقيق، والفعال، والبعيد عن مزاجية العاملين وفتور همتهم.

ولحسن الحظ فإن «آيزو» ليست مرتبطة في جودة العمل الإداري بل هناك تصنيفات عديدة ومتجددة لهذه الشهادة التي تستحق أن يسعى إليها، كما أنها تتطور باستمرار بناء على تغير مجريات أحداث العالم وأفضل الممارسات. وفيها أيضاً متابعة لاحقة.

ولأن شهادة القياديين عن مؤسساتهم مجروحة فقد انبثقت شهادة الجودة لتضع يدها على مكمن خللها وموضع افتخارها. فلا بد من جهة خارجية تدقق على معايير الجودة، لترى أحقيتنا في الحصول على «صك الجودة».

Email