لحظة هبوط الأفكار

ت + ت - الحجم الطبيعي

قرأت ذات يوم أن الأمير الراحل طلال بن عبد العزيز قد جاءته فكرة بناء الجامعة العربية المفتوحة وهو في لحظات الاسترخاء عندما كان يقرأ تقريراً بصحيفة «الشرق الأوسط» اللندنية عن أهمية التعليم الكمي والنوعي في الوطن العربي.

هذه اللحظات الهادئة التي لا يعير لها البعض اهتماماً يذكر هي في الواقع وبحسب العلم الحديث قد تثمر أفكاراً نيرة أو خلّاقة لنا ولمجتمعنا. فالاجتماعات المطولة لا تتمخض بالضرورة عن أفكار خلّاقة، فقد يبزغ نجم الفكرة في جلسة استرخاء بعيداً عن صخب المدينة.

ففي دماغ كل منا مناطق تسمى (Default Mode Network DMN) وهذه المناطق اكتشف العلماء أنها «تكون ساكنة» حينما يحاول الفرد البحث عن حل لمشكلة تواجهه، ولكن ما إن نمنح أنفسنا فترة من الراحة أو الاستجمام فإنها تتحرك فتحرك معها الفكرة أو الحل من حيث لا ندري.

وهذا ما يبرر كيف تلوح لنا أفكار في أماكن غير متوقعة مثل لحظات التأمل عند: تناول القهوة أو الشاي، أو المشي بمحاذاة ساحل البحر، أو حتى تحت رذاذ «شاور» الاستحمام المريح.

وهذا في الواقع ما يحدث لملايين البشر، منهم الشعراء، والكتاب، والمبدعون، والمخترعون، وكل من تشغله قضية ما. ولذا سمعت شاعراً شهيراً يقول: «حينما يأتيني إلهام الشعر أقف على قارعة الطريق فوراً لأكتب أبياته»، وكذلك الحال معنا ككتاب رأي، فأنا أحمل معي مفكرة إلكترونية في هاتفي لاقتناص الأفكار أو المعلومات. وكذلك في عصر الورق لم تكن تفارقني آنذاك ورقة في جيبي. قال ابن القيم: «العلم صيد والكتابة قيده».

وكذلك نصنع في مجالس الإدارات، فحينما يحين موعد التخطيط الاستراتيجي أو وضع رؤية ورسالة المؤسسة سواء كانت مؤسسة خاصة أو عامة، نذهب إلى مكان غير تقليدي كالشاليه أو ساحل البحر في محاولة للبحث عن أفكار الحلول بعيداً عن ضوضاء المكاتب ورتابتها.

وكذلك الحال في الدول، حيث سررت عندما قرأت سابقة أولى من نوعها في مجالس الوزراء العربية، وذلك عندما ذهب وزراء حكومة دولة الإمارات إلى صحراء في «خلوة وزارية» للتأمل. ربما استغرب البعض ذلك، غير أن تلك المبادرة تعد من أساسيات التخطيط السليم، لتهيئة أصحاب القرار للتفكير في بيئة مريحة وغير تقليدية، تجنباً للأفكار التقليدية أو الطرح الرسمي.

نحتاج جميعاً إلى أن تحتل مساحات الراحة جزءاً أساسياً بل و«مقدساً» من يومياتنا حتى نفسح المجال لعقولنا باقتناص حلول خلّاقة لتحديات العمل، والأسرة، وسائر شؤوننا الخاصة.

وأفضل تخطيط ما يأتي في نهاية هذا العام، فقد تهبط علينا في خلوتنا أفكار لم تكن في الحسبان فتحدث نقلة نوعية في حياتنا.

 

 

 

Email