عام التسامح في بلد التسامح

ت + ت - الحجم الطبيعي

لا تزال دولة الإمارات العربية المتحدة سبّاقة لكل الفضائل والقيم التي دعا إليها الإسلام، ولاسيما التي تعتبر من القواسم المشتركة بين الناس أجمعين كالسماحة الدينية والمجتمعية، فقد قامت الدولة على أسس عظيمة منها السماحة الدينية والمجتمعية التي كانت أسلوب حياة لمؤسسها الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيّب الله ثراه، ومعه إخوانه أصحاب السمو الحكام الذي كانوا يصدرون رِياً من وعاء واحد؛ لأنهم أمة واحدة وأبناء بلدة واحدة، فأقاموا الدولة على هذا الأساس الإسلامي والإنساني العظيم، وها هو خَلفُه البار صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله وبارك في عمره وعمله، يتوج عام زايد بإحياء منهجه الكريم.

فوجّه بأن يكون العام التالي لعام زايد، وهو عام 2019 عاماً للتسامح، ليعيش زايد بأفكاره ومبادئه ليس فقط في دولته وأرضه بل في العام أجمع؛ لأن العالم كله ينشد هذا المبدأ العظيم حتى تعيش البشرية على وئام وتعاون، وهو الأمر الذي جعله الله تعالى غاية من غايات خلقه لهم حتى يتمكنوا من معرفته وعبادته وعمارة كونه المستخلفين فيه، لا ليتفانوا ويفسدوا في الأرض.

إن البشرية لم تعرف تسامحاً كريماً عظيماً كما عرفته في الإسلام؛ لأنه دين الله الخالص الحنيف القيم، الذي ارتضاه لنفسه؛ فبه يُعبد، وخلقه به يتعاملون، لذلك أقام هذا الدين على أسس التسامح العقدي والعبادي والتعاملي، وجعله أحد معايير الأخلاق العظيمة.

وقد عبّر النبي -صلى الله عليه وسلم- عن ذلك بقوله: «إني بعثت بالحنيفيِّة السمحة، ولم أبعث بالرهبانية البدعة، فكلوا اللحم، وائتوا النساء، وصوموا وأفطروا وقوموا وناموا؛ فإني بذلك أُمرت»، والسمحة هي السهلة في الأخذ والتعامل، وهي ضد الغلو في العقائد أو العبادات، وضد التشاح في المعاملات، فهكذا يبين -عليه الصلاة والسلام- منهج رسالته حتى يكون المسلم يفيض رحمة وحناناً وإحساناً على نفسه وغيره، ومعنى كونه بعث بذلك؛ أن من لم ينهج منهجه فإنه يكون في طرف الغلو المنهي عنه.

وهو الذي نهى الله تعالى عنه عباده كما في قوله سبحانه: (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ)، وهو نهي لأهل الكتاب لأنهم كانوا كذلك، أما الإسلام فليس فيه شيء من ذلك فلم يتوجه الخطاب إليهم، لكنهم إن اتصفوا بمثل ذلك الوصف فإن الخطاب يشملهم فيكونوا منهيين عنه أشد النهي؛ لأنهم قد تعلموا من نبيهم ودينهم أن الإسلام دين سماحة، فقد سُئل صلى الله عليه وسلم عن الإيمان، فقال: «السماحة والصبر» قيل: فأي المؤمنين أفضل إيماناً؟ قال: «أحسنهم خلقاً»، قيل: فأي المسلمين أفضلهم إسلاماً؟ قال: «من سلم المسلمون من لسانه ويده».

ومن هذا الأساس كانت شريعتنا وسطية فلا إفراط فيها ولا تفريط، ولا تنافر ولا تدابر، بل إنها تعايش الجميع على مبدأ الإحسان والتعاون على البر والتقوى وتحقيق المصالح المشتركة بين البشر، من غير دنِيَّة في الدين، ولا تعدٍّ على الخصوصية، وقد كان التسامح هو المحور الأول في الدعوة إلى الله (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ)، وهو الأساس في التعامل الاجتماعي والسياسي كما قال الله تعالى: (لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ).

وهو الأساس في الواجب التعبدي كما في الحديث: «يا أيها الناس خذوا من الأعمال ما تطيقون، فإن الله لا يملّ حتى تملوا، وإن أحب الأعمال إلى الله ما دام وإن قل».

وهو الأساس في التعامل المادي بين الناس كما في الحديث: «رحم الله رجلاً سمحاً إذا باع، وإذا اشترى، وإذا اقتضى»، وهو أساس التعامل الأسري كما في الحديث: «لا يَفرك مؤمن مؤمنة، إن كره منها خلقاً رضي منها آخر».

وهو الأساس في كسب الرزق كما في الحديث: «إن أحدكم لن يموت حتى يستكمل رزقه، فلا تستبطئوا الرزق، واتقوا الله أيها الناس، وأجملوا في الطلب، خذوا ما حل ودعوا ما حرم».

وهو الأساس في التعايش بين الناس كما في قوله عليه الصلاة والسلام: «إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم، فليسعهم منكم بسط الوجه، وحسن الخلق».

وهكذا هي تعاليم الإسلام في كل مناحيها سماحة وسهولة ويُسر، وقد جلاَّها النبي -صلى الله عليه وسلم- تطبيقاً مع كل الناس، فتعامل مع اليهود على مبدأ التسامح مع شدة مكرهم ونقضهم للعهود، وتعامل مع المنافقين على مبدأ التسامح، وهم أخطر على دعوته ودولته من اليهود، وتعامل مع أعدائه الذين همُّوا بقتله وأخرجوه وحاربوه بذلكم المبدأ، وقال وهو في عزة النصر والتمكين: «اذهبوا فأنتم الطلقاء»، وتعامل مع الأعراب مع شدة غلظتهم وسوء أخلاقهم على المبدأ نفسه..

فكان ذلك منهجه في كل شيء، كما قالت السيدة عائشة رضي الله تعالى عنها: «ما خُيِّر النبي صلى الله عليه وسلم بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يأثم، فإذا كان الإثم كان أبعدهما منه، والله ما انتقم لنفسه في شيء يؤتى إليه قط حتى تنتهك حرمات الله، فينتقم لله». فهذه شريعته وذلك منهجه صلى الله عليه وسلم.

فإذا جاءت دولة الإمارات وجعلت التسامح منهج حياتها وتعاملها حتى جعلت التسامح واحداً من مكونات حكومتها الراشدة بجعله وزارة مستقلة يقودها أحد رواد التسامح وهو الشيخ نهيان بن مبارك، بارك الله في عمره وعمله وأهله ماله، وهو الذي يشهد له العالم بسماحته وحسن خلقه، ولم تكتف بذلك حتى جعلت للتسامح عاماً تحيي فيه هذه السنة الإسلامية ويُغاث فيه الناس من هول فاجعة البغضاء والإقصاء، فهي بذلك تحيي سُنة قد تكون مهجورة في كثير من المجتمعات، فأصابها من أجل ذلك ضرر كبير، ولو أنها تعايشت به لعاشت بوئام وسلام، ولكانت عامرة بالخيرات والبركات التي تكون أثراً من آثار اليسر والسماحة.

فنسأل الله تعالى أن يديم علينا سماحة الإسلام وظل حكامنا الكرام الذين يصلحون ما أفسده الناس.
 

Email