الحضور الروسي في الشرق الأوسط

ت + ت - الحجم الطبيعي

ثمة مؤشرات عدة ربما يصعب عدها تؤكد أن روسيا تعود بقوة إلى منطقة الشرق الأوسط لتصبح منافساً قوياً للولايات المتحدة التي خسرت الكثير بسبب انحيازها الأعمى واعترافها غير المبرر بالقدس عاصمة لإسرائيل، على حين نجح الرئيس بوتين في الحفاظ على علاقاته بالدول العربية.

وزاد على ذلك علاقاته المتصاعدة مع المملكة العربية السعودية التي عبرت عنها زيارة خادم الحرمين الملك سلمان بن عبد العزيز الأولى لموسكو هذا العام، ثم المصافحة القوية للرئيس بوتين لولي العهد السعودي محمد بن سلمان في قمة العشرين الأخيرة التي انعقدت في بوينس أيرس وشهدها العالم أجمع.

كما ترتبط روسيا بعلاقات وثيقة مع دولة الإمارات حيث زار صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان موسكو 7 مرات على امتداد السنوات الخمس الأخيرة، كما وقع البلدان اتفاق تعاون استراتيجي.

وكذلك هناك علاقة الشراكة الاستراتيجية بين مصر وروسيا، التي يعززها صداقة قوية تربط الرئيس الروسي بوتين بالرئيس عبد الفتاح السيسي الذي زار موسكو 4 مرات آخرها في أكتوبر الماضي، حيث تم توقيع اتفاق الشراكة الاستراتيجي الذي ينطوي على شقين مهمين، أولهما المتعلق بإنشاء أول محطة كهرباء نووية في الضبعة تم توقيع اتفاقها بالفعل وينص على إسهام الصناعة المصرية بـ 20 في المئة من مكونات المحطة، واتفاق المنطقة الصناعية الروسية في محور قناة السويس الذي ينص على إقامة عدد من الصناعات الاستراتيجية الثقيلة بينها مشروع مركبات ومعدات النقل الثقيل.

ومشروع إنشاء مصنع مشترك لإنتاج عربات السكك الحديدية المصرية، فضلاً عن صفقة سلاح مكنت مصر من الحصول على طائرات الهليوكوبتر الهجومية التي تفوق في تسليحها وقدرتها طائرات الأباتشى الأميركية.

إضافة لطائرات مقاتلة نفاثة ذات قدرات عالية، وربما كان أهم ما يميز العلاقات المصرية الروسية، الشفافية والوضوح والصراحة وتأكيدات موسكو على أهمية تسوية منازعات الشرق الأوسط سلمياً، والحفاظ على وحدة الدولة والأرض السورية، ومساندة مصر لضرورة مساعدة الجيش الوطني الليبي وإمداده بالسلاح.

والأكثر دلالة على تمدد روسيا في الشرق الأوسط نجاحها في إنشاء علاقة صداقة قوية أيضاً مع إسرائيل، حيث زار رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو موسكو 4 مرات وتحدث إلى بوتين 11 مرة هذا العام، بما يؤكد تأثير روسيا المتزايد في الشرق الأوسط بعد ثلاثة عقود من انهيار الاتحاد السوفييتي، لتملأ الفراغ الذي خلفته إدارة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما نتيجة إخفاق سياساته في الشرق الأوسط وتبنى إدارته لأفكار «الفوضى البناءة» وضلوعها في أحداث يناير التي يسميها البعض بثورات الربيع العربي رغم الخراب والتدمير الذي لحق بدول الشرق الأوسط.

وكما لاحظت صحيفة واشنطن بوست الأميركية أنه يجوب الشرق الأوسط الآن مراراً وتكراراً خبراء البترول الروس ومندوبو شركات السلاح وممثلو الهيئات التمويلية الروسية، بحثاً عن المزيد من الاتفاقات والصفقات، ويوقعون العديد من عقود الاستثمار بمليارات الدولارات، ويحيون علاقاتهم القديمة بدول المنطقة، ابتداءً من ليبيا إلى دول الخليج، وثمة ما يؤكد أن روسيا عقدت خمس اتفاقات في الشرق الأوسط لإنشاء خمس محطات نووية في دول المنطقة.

كما عقدت روسيا عشرات من صفقات الغاز والبترول بمليارات الدولارات مع السعودية وكردستان والعراق، وضاعفت صادراتها من السلاح إلى الشرق الأوسط خلال السنوات الأخيرة لتصل قيمتها إلى 24 مليار دولار خلال السنوات العشر المقبلة في منافسة قوية للسلاح الأميركي الذي تصل حجم مبيعاته إلى 81 مليار دولار.

ومنذ التدخل العسكري الروسي عام 2015 في الأزمة السورية والمساندة القوية التي قدمتها القوات الجوية الروسية لجهود الجيش السوري في تصفية الفصائل والجماعات المسلحة التي كانت تسيطر على مشارف دمشق في منطقة الغوطة، وتهدد العاصمة السورية.

كما كانت تسيطر على مناطق واسعة في محافظات حمص وحماة ودير الزور وحلب وإدلب، منذ هذا التاريخ وتواجد موسكو يتوسع في كل دول المنطقة لتصبح روسيا طرفاً مؤثراً في كل صراعات وأزمات المنطقة، ابتداءً من الحرب اليمنية إلى الموقف في لبنان.

حيث قدمت روسيا لأول مرة في تاريخ لبنان عرضاً بتسليح الجيش اللبناني بما قيمته مليار دولار، كما قبل سعد الحريري رئيس الوزراء منحة روسية بمليون طلقة كلاشنكوف لصالح قوى الأمن الداخلي اللبناني.

وربما تكون روسيا قد تكبدت بسبب تدخلها في الأزمة السورية خسائر مالية إضافة إلى خسائرها من القادة العسكريين والطيارين الذين فقدوا حياتهم هناك، إلى حد أن معظم الدول الغربية كانت تعتبر التدخل الروسي في الأزمة السورية مغامرة غير مأمونة العواقب، ربما تؤدي إلى إفلاس روسيا وضياع بوتين.

لكن الرئيس الروسي واصل هدفه بعزيمة وإصرار رغم هذه الخسائر إلى أن تمكن من إنقاذ الدولة السورية، والإبقاء على رئيسها بشار الأسد الذي كان يطالب الجميع برحيله، وتحقيق هدفه النهائي بتعزيز مكانة روسيا وسمعتها في الشرق الأوسط، وجعل منها طرفاً مؤثراً في المنطقة وعلى امتداد الساحة العالمية.

 

 

Email