العودة إلى الجذور الأفريقية

ت + ت - الحجم الطبيعي

كان الاهتمام المصري بأفريقيا حاضراً وبقوة على مر العصور والأزمان لارتباط نهر النيل بأفريقيا، ولأن مصر هي هبة النيل، فقد أصبح الارتباط المصري بأفريقيا ارتباطاً عضوياً ضارباً بجذوره في أعماق التاريخ، وركز الاستعمار على إضعاف النفوذ المصري في أفريقيا، إلى أن بدأت ثورات التحرر من الاستعمار الأجنبي، وكانت البداية ثورة يوليو 1952 بزعامة الرئيس جمال عبد الناصر التي أنهت الاحتلال الإنجليزي لمصر، وساندت بقوة شعوب القارة الأفريقية من أجل التحرر من الاستعمار.

وصار عبدالناصر ملهماً للكثيرين من شعوب القارة في مناهضة الاستعمار الأجنبي وطرد المستعمرين، وعاد النفوذ المصري من جديد إلى القارة الأفريقية، وكانت شركة النصر للاستيراد والتصدير هي الذراع القوية للدولة المصرية في دول القارة الأفريقية في الستينيات والسبعينيات التي عملت على زيادة التبادل التجاري والاقتصادي مع دول القارة الأفريقية، حتى جاءت فترة من الفترات تراجع فيها الاهتمام المصري بأفريقيا في إطار «حسبة» خاطئة مفادها أن تكلفة الاتجاه إلى أفريقيا أكبر من عوائده.

وبالتالي انحسر الاهتمام بأفريقيا لمصلحة الاتجاه غرباً، والخطيئة الكبرى التي وقعت فيها السياسة المصرية آنذاك وطوال عقود هي فكرة الاتجاه الأحادي، واصطدام المسارات ببعضها البعض، فليس هناك مانع من الاتجاه غرباً، وفي الوقت نفسه استمرار الاهتمام بأفريقيا، في إطار رؤية للمسارات المتوازية بعيداً عن فكرة المسارات المتقاطعة.

ظهور أزمة نهر النيل مع مشروع إثيوبيا في بناء سد النهضة أعاد القارة الأفريقية مرة أخرى إلى صدارة المشهد المصري، ومنذ ولاية الرئيس عبدالفتاح السيسي الأولى عادت مرة أخرى فكرة المسارات المتوازية، فكان الاهتمام المصري بأفريقيا، وفى الوقت نفسه الاتجاه شرقاً وغرباً دون تقاطع.

انعقاد مؤتمر «أفريقيا 2018» الآن في شرم الشيخ الذي تنظمه وزارة الاستثمار والتعاون الدولي بالتعاون مع الوكالة الإقليمية للاستثمار التابعة لمنظمة الكوميسا وبرعاية الرئيس عبدالفتاح السيسي، وبحضور نحو 10 رؤساء أفارقة، وأكثر من 60 متحدثاً دولياً، وعدد كبير من رؤساء الحكومات والوزراء من مختلف الدول الأفريقية، يأتي في إطار العودة المصرية المكثفة إلى الجذور الأفريقية، وتعديل مسار السياسات السابقة، واستعداداً لرئاسة مصر للقمة الأفريقية في العام المقبل 2019.

استضافة مصر للمنتدى يعزز من مكانتها كمركز إقليمي للتجارة والاستثمار في أفريقيا، ويؤكد الثقة في قدرة ومكانة مصر الدولية والإقليمية باعتبارها إحدى أهم الاقتصاديات الناشئة في المنطقة التي تسهم بفعالية في تعزيز النمو الاقتصادي المستدام في أفريقيا.

أفريقيا الآن تشهد خطوات سريعة ومتلاحقة في مجال التعاون الاقتصادي والسياسي، وهي سوق ضخمة تضم أكثر من 1.2 مليار نسمة مما يعد حافزا كبيرا لزيادة معدلات التجارة البينية، وزيادة فرص الاستثمار، كما أن أفريقيا تستعد لدخول اتفاقية التجارة الحرة القارية الأفريقية «AFCFTA» حيز التنفيذ خلال العام المقبل 2019 بعد توقيع 49 دولة أفريقية عليها، بما يجعلها واحدة من أكبر مناطق التجارة الحرة في العالم.

على الجانب الآخر فهناك تجمع الكوميسا الذي يضم 21 دولة أفريقية، وهو التجمع الاقتصادي الأكبر في أفريقيا، حيث يبلغ عدد سكان الدول المشاركة فيه 550 مليون نسمة في حين يبلغ الناتج المحلى الإجمالي لدول تجمع الكوميسا 768 مليار دولار.

وقعت مصر على الانضمام إلى الكوميسا في عام 1998، وتم البدء في تطبيق الإعفاءات الجمركية على الواردات اعتبارا من 1999 على أساس مبدأ المعاملة بالمثل.

منتدى أفريقيا 2018 ليس هو الاجتماع الرسمي للكوميسا، فهناك اجتماع سنوي على مستوى الحكومات يتم عقده بالتناوب بين الدول، وقد تم عقد اجتماع هذا العام في زامبيا مؤخراً، في حين أن منتدى الاستثمار هو المنتدى الثالث الذي يعقد في شرم الشيخ ويأتي اتساقاً مع زيادة الاهتمام المصري بأفريقيا، وتذليل العقبات التي تواجه عمليات الاستثمار والتبادل التجاري بين دول القارة بشكل عام ودول منظمة الكوميسا بشكل خاص، مشيرة إلى أن تجمع دول الكوميسا هو أهم بناء داخل الاتحاد الأفريقي، ويعمل في الوقت نفسه على الاندماج مع بقية التجمعات الأفريقية الثمانية الأخري.

انطلاق فعاليات «منتدى أفريقيا 2018» بشرم الشيخ هو مظهر من المظاهر الكثيرة التي تؤكد عودة مصر بقوة إلى جذورها الأفريقية، وإعادة ملء الفراغ من جديد، وأهمية التكامل الأفريقي الاقتصادي والسياسي من أجل تحقيق الرخاء لكل شعوب القارة.

 

 

Email