حكومة العراق وعواصف الرفض والاحتجاج

ت + ت - الحجم الطبيعي

الجمود في الوضع السياسي العراقي وما يكتنف ذلك من صراعات وما يترتب عليه من إرباكات يزيد من تعقيدات حالة الالتباس المتعلق بمستقبل الحكومة التي لمّا تُكتمل بعد عددياً، ويتجاوز ذلك إلى مستقبل العملية السياسية.

قد نحكم على هذه الحكومة من خلال الاطلاع على برنامجها الفضفاض الصعب التنفيذ، الذي يعرضها لشتى التساؤلات المحرجة عن استحقاقات تنفيذه زمنياً، ومن خلال السير الذاتية لبعض وزرائها المهددين بالإقالة، ولكن الأهم من هذا وذاك من خلال التمعن بإرهاصات تشكيلها. فبالقدر الذي كان ميلادها عسيراً سيكون من الصعوبة بمكان الحفاظ على بقائها طويلاً لأسباب عدة، منها سهولة كسرها لعدم وجود كتلة نيابية قوية تستند إليها، ولتباين الأهداف والمصالح للكيانات التي تكتلت فيها، ولسهولة انهيار عملية التوافق الهشة التي أنجبتها.

الذهاب لخيار الأخذ بمرشح تسوية وتكليف الدكتور عادل عبد المهدي برئاسة الوزارة، باعتباره مستقلاً وليس طرفاً في التجاذبات السياسية، جاء نتيجة وصول التنافس بين الفرقاء في المشهد العراقي إلى حدود خطيرة في التصعيد.

على المستوى الداخلي، العناق الحار والابتسامات العريضة المرتسمة على الوجوه حين يقابل الساسة بعضهم بعضاً لا تستطيع أن تخفي حقيقة العلاقات السياسية المتشنجة، فمناخ التنافس وآلياته الذي يتجاوز أطر اللعبة السياسية المقبولة في الأنظمة الديمقراطية مسكوت عنه، إن لم يكن مقبولاً في الوسط السياسي، مناخ ترسم في أطره سياسات التسقيط السياسي، وهو ما نشهده مع قرب وصول مرحلة التوافق إلى نهاياتها. أما على المستوى الخارجي، بنية الحكومة لا تمكنها من مواجهة المهام الجسام التي تواجهها في ظروف إقليمية ودولية تضاعف من الصعوبات أمامها، فهي تتعرض لضغوط كبيرة داخلية وإقليمية بغية الالتفاف على العقوبات الأميركية على إيران، أو على الأقل غض الطرف عن المحاولات لذلك، وهي من جانب آخر لا تتمكن من الوقوف بوجه الولايات المتحدة التي لا تزال تمسك بخيوط اللعبة السياسية، خاصة ما يتعلق بالحرب على تنظيم داعش الذي بدأ يستعيد نشاطاته في بعض مناطق العراق.

حكومة عبد المهدي يتجاذبها ائتلافان، الإصلاح بزعامة الصدر، والبناء بزعامة العامري، وقد ذهبا مع بعض بمسيرة التوافق على معظم الكابينة الوزارية، إلا أن هذه المسيرة بدأت بالتعثر على قاعدة الخلاف الشديد حول من يشغل الوزارتين الأمنيتين الداخلية والدفاع. فقد سبق أن اتفق الائتلافان على أن من يشغلهما ينبغي أن يكون من المستقلين غير المنتمين إلى أي حزب أو أية كتلة سياسية. العقدة تكمن في التنصل من هذا الاتفاق وإصرار تحالف البناء على ترشيح فالح الفياض لحقيبة الداخلية وإصرار تحالف الإصلاح على رفضه.

تمسك تحالف البناء بترشيح الفياض له دلالات عدة لا تقف عند حد القناعة بجدارته الشخصية لهذا المنصب، بل تتجاوز ذلك إلى تلبية استحقاقات سياسية تتعلق بالعلاقات التي تربط قادة التحالف بقوات الحشد الشعبي الذي ترأسه الفياض منذ تأسيسه، الذي يستمد منه التحالف قوته على الأرض. كما أنه من جانب آخر مدخل لإنهاء مسار التوافق والذهاب إلى استفتاء نيابي حول ترشيحه ليثبت البناء بأنه الكتلة الأكبر حين ينجح بتمرير ذلك، بعد أن يكون قد استعد له لوجستياً في استراتيجية لي الأذرع وكسر الإرادات.

ومع أن عبد المهدي قد أعلن بأنه لن يستقيل تحت أي ظرف من الظروف إلا أنه قد لا يكون قادراً على الاستمرار في مواجهة الرفض والاحتجاج، فالجدل حول مستقبل حكومته في تصاعد وسط العواصف التي بدأت تهب في مجلس النواب، مع تراجع إرادة الذهاب إلى طاولة التوافق التي أصبحت مقفرة، فهو يواجه صعوبات كبيرة في استكمال كابينته الوزارية على الرغم من الجهود التي تبذل من جانب الدكتور برهم صالح رئيس الجمهورية لتذليل العقبات. في أجواء الفوضى التي بدأت تعصف بالعملية السياسية ليست حكومة عبد المهدي وحدها مهددة بالانهيار وإنما الائتلافات نفسها، فهناك مؤشرات تتجاوز الإرهاصات عن التوترات داخلها التي قد تقود لاصطفافات جديدة لتغيير الخارطة السياسية.

* كاتب عراقي

Email