كواليس التفاوض

ت + ت - الحجم الطبيعي

تحدث خلف كواليس أي حوار تفاوضي أمور مقصودة أو غير مقصودة، لكنها تتحكم بصورة رئيسة بنتائج النقاش. وهذا في الواقع ما يحدث في العمل والشارع والبيت.

فمن الأدوار «التمثيلية» التي يلعبها المتحاورون اتفاقهم على أن يلعب أحدهم دور «الشرطي الوديع» أو الطيب أو المسالم في الحوار good cop. الذي يحاول إبراز نقاط الاتفاق ويركز عليها ليضفي على النقاش أجواء مريحة. ويلعب زميله دور «الشرطي الفظ» bad cop وذلك بطرح القضايا الخلافية والتشبث أحياناً بأمور خلافية لدواعٍ تكتيكية في حين يطري الأجواء زميله الوديع.

ونبع هذا المفهوم من الدور السيكولوجي الذي يقوم به المحققون في محاولة منهم لاستنطاق المتهمين أو دفعهم للاعتراف بجريمة ارتكبوها. كأن يقول الوديع أنا أضمن لك أن تخرج من هناك وبسرعة إذا اعترفت بجريمتك. وإذا لم تعترف فلا يمكن أن أضمن لك ردة فعل المحقق الفلاني (الفظ). وهي محاولة مقصودة لاستنطاق المتهمين. وتستخدم أيضاً في عالم التفاوض عموماً، حيث يتفق عليها مسبقاً وبطريقة سرية لكنها تظهر بصورة عفوية أثناء الحوار.

والوداعة ليست مقتصرة على المفاوضات التجارية أو السياسية أو العمالية الكبرى، فقد يضطر والدان إلى لعب دور الشرطي الوديع والفظ لإقناع ابنهما المراهق بالكف عن سلوك منبوذ. ‏كذلك في المفاوضات مع موظف متمرد يحاول مديره حثه على الإنتاجية حتى يتحاشى ردود سلبية للمدير العام.

ومن كواليس ما يجري تعمد البدء بأرقام عالية عند البيع ومنخفضة عند الشراء. لترك مساحة كافية للتفاوض. شريطة ألا يقترب الفرد من الهدف النهائي أو الرقم في بداية النقاش. غير أنه يجب أن يكون لديه معلومات وافية عن التكاليف أو حالة المنتج حتى يمكنه الوقوف على أرضية صلبة في النقاش.

ومن أذكى الوسائل استدراج الخصم لوضع كل طلباته على طاولة المفاوضات، أولاً، قبلنا كمحاورين. فقد يكفينا ذلك عناء المواجهة لأننا سنعرف مسبقاً ما يمكن التنازل عنه من طلبات الخصم في سبيل الحصول إلى مبتغانا من أمور جوهرية. ولذا ليس من الحكمة افتراض ما يريده الطرف الآخر فقد يكون في ذهنه ما لم يكن في الحسبان.

كما أن البعض يحرص على ألا يقع في خطأ فادح وهو الكشف عن أسلوبه في التفاوض. فهناك مثلاً من يكشف نفسه حينما يقسم كل النقاط الخلافية على الطرفين. فحينما يشكل دفع مبلغ معين فإنه يتسرع باقتراح «راعي النصيفة سالم» كما نقول باللهجة الكويتية أي يحاول أن يحمل الطرفين تداعيات القرارات. هذا الأسلوب يكشفه أمام الخصوم فيبدأون بمعاملته بالمثل فيفوت على نفسه وفريقه مكاسب كبيرة.

ومما يجري في دهاليز المفاوضات ألا يقبل المفاوض الذكي بتنازل لا يقربه من اتفاق نهائي مشترك. ففكرة التنازل أن يقترب الطرفان من نهاية مرضية وإلا لم يكن هناك داعٍ أصلاً للتنازل.

ومن خصائص المفاوض الناجح «المقدرة على الإقناع»، ومن يفتقد هذه الخصلة المهمة لا يجدر به التطوع للتفاوض عن آخرين لكيلا يحرج نفسه. والإقناع أمر مهم جداً في علم الإدارة والتفاوض ويحتاج إليه كل منا سواء في المفاوضة على رفع راتبه، أو محاولته الفوز بصفقة تجارية وغيرها، وهناك دورات تخصصية لتطوير هذه المهارة، غير أنها لدى كثير من الناس تكون فطرية أو عائدة إلى الاستعداد الجيد للقاء بالأدلة والحجج والبراهين.

وهذا كله يشير إلى أن في عالم التفاوض هناك أمور تجري في الكواليس لكنها تنعكس على نتائج النقاش. ومن هنا تأتي أهمية إدراك قوة التفاوض مهاراته.

* كاتب كويتي

Email