هل تنجح طوكيو في خلق توازن بين بكين ونيودلهي؟

ت + ت - الحجم الطبيعي

زيارة رئيس الحكومة اليابانية شينزو آبي الأخيرة للصين ولقاؤه مع نظيره الصيني شي جينبينغ عكست أموراً كثيرة: منها رغبة البلدين في التقارب والتفاهم، ومنها استعدادهما للتعاون لمواجهة الضغوط الأميركية.

حيث من المعروف أن واشنطن تفرض سلسلة من الإجراءات لزيادة التعرفة الجمركية على البضائع الصينية، فيما تضغط على طوكيو لاستيراد المزيد من السيارات، والمنتجات الزراعية الأميركية في محاولة لخفض العجز التجاري الأميركي المزمن، ومنها رغبة اليابانيين في تحسين مكانة شركاتهم العملاقة داخل الأسواق الصينية الواسعة، وهو ما يقابله رغبة الصينيين في الاستفادة القصوى من التكنولوجيا والمعرفة، التي تملكها تلك الشركات الصناعية اليابانية، ومنها أيضاً عزم البلدين على القيام باستثمارات مشتركة في البنية التحتية لدول آسيوية ضعيفة اقتصادياً مثل الفلبين وإندونيسيا.

يحدث كل هذا في الوقت الذي لا تزال الصين واليابان في حالة نزاع حول بعض الجزر، التي يسيطر عليها اليابانيون ويسمونها «سينكاكو» فيما يطالب الصينيون بالسيادة عليها ويطلقون عليها اسم «دياويو».

وفي وقت لا يزال يتذكر فيه الصينيون أن آبي حقق شعبيته في الداخل الياباني من وراء نشر خطاب معاد لهم بالدرجة الأولى ومعاد للكوريين بالدرجة الثانية. ويحدث هذا أيضاً في الوقت الذي لا يزال فيه الصينيون يطالبون طوكيو بالاعتذار رسمياً، عما ارتكبه الجيش الياباني بحقهم من فظائع أثناء الحرب العالمية الثانية.

تحدث مراقبو العلاقات الصينية- اليابانية عما أسموه حالة جديدة غير مسبوقة وبدء مرحلة جديدة من التعاون الاقتصادي والتجاري بين البلدين بعيداً عن رواسب الماضي وقيود التاريخ والنزاعات السيادية والحدودية، هدفها الأسمى خلق معايير جديدة تساعد كل طرف على الإمساك بأوراق قوية خلال محادثات كل منهما مع واشنطن الضاغطة على كليهما كما أسلفنا.

وعلى حين بدا الرئيس الصيني جينبينغ في الأشهر الأخيرة أكثر تصالحاً مع اليابان رغم تجنبه حتى الآن القيام بزيارة لطوكيو فإن نظيره آبي شد الرحال إلى بكين للقيام بأول زيارة رسمية له للصين منذ سبعة أعوام، لكن ما لا يمكن فهمه هو أنه رغم هذا التحسن في علاقات البلدين الشائكة تاريخياً، ورغم زيادة أعداد السائحين الصينيين الذين تستقبلهم اليابان سنوياً ممن يشكلون مصدر دخل إضافياً من مصادر الدخل السياحي (على سبيل المثال استقبلت اليابان في العام الماضي وحده أكثر من 7 ملايين سائح صيني).

فإن طوكيو قررت الشهر الماضي زيادة إنفاقها العسكري لمواجهة ما تسميه بالتهديدات العسكرية من قبل الصين وكوريا الشمالية، لكن هناك من يزعم أن خطوة اليابان هذه جاءت بضغوط من الحليف الأميركي الذي يحاول تعميق الشرخ في العلاقات الصينية ــ اليابانية كي يبيع المزيد من الأسلحة الأميركية لليابان.

من جانب آخر- وهذا أيضاً أمر محير آخر- أنه في الوقت الذي أنهى فيه آبي زيارته التاريخية الأخيرة لبكين وما تمخض عنها من عزم اليابان والصين على توطيد علاقاتهما وتحسينها، لجأت طوكيو إلى إقامة تحالف مع الهند، الخصم والمنافس التقليدي للصين، لمواجهة التمدد العسكري لبكين في المحيطين الهندي والهادئ، طبقاً لما تمخض عنه لقاء قمة بين رئيس الحكومة الهندية «ناريندرا مودي» ونظيره الياباني آبي في الثلاثين من أكتوبر المنصرم.

لقد سبق أن قلنا في مقال نشر في مارس من العام الجاري إن هناك مؤشرات على قيام تحالف آسيوي جديد قوامه اليابان والهند، وهما بلدان ديمقراطيان كبيران في آسيا ولهما اهتمامات مشتركة لمواجهة التمدد الصيني من جهة، وللتصدي للإرهاب العابر للحدود وما يمثله من خطورة على الطرق البحرية الناقلة للطاقة من الشرق الأوسط إلى البلدين من جهة أخرى.

والمعروف أن حواراً أمنياً سنوياً يعقد على المستوى الوزاري بين البلدين إضافة إلى حوارات دفاعية وأخرى حول التعاون التكنولوجي، ناهيك عن قيامهما مؤخراً بمناورات عسكرية مشتركة في الكلية الهندية لمكافحة التمرد.

والمعروف أيضاً أن الزعيمين الهندي والياباني (مودي وآبي) يرتبطان بعلاقات وثيقة تجلت في عقدهما أكثر من قمة خلال السنوات القليلة الماضية علماً بأن هذه القمم اتسمت بأشياء غير مألوفة، فمثلاً استضاف آبي نظيره مودي في فيلا خاصة في إقليم ياماناشي وأقام له حفل عشاء أسطوري لم يحظ به من قبل أي ضيف أجنبي. وحينما زار آبي الهند العام الماضي استقبله مودي في مدينة أحمد آباد، وسط احتفاء شعبي ضخم وقاما معاً بزيارة العديد من المواقع التاريخية.

يقول الخبراء: إن آبي يحاول خلق توازن دقيق بين الهند والصين وسط ظروف بالغة التعقيد في منطقة ما انفكت تشهد الأزمة تلو الأزمة فهل ينجح العقل الياباني الجبار في ذلك؟

 

 

Email