قمة هامبورغ والعلاقات الصينية ـ الأوروبية

ت + ت - الحجم الطبيعي

تعد قمة هامبورغ 2018، التي عقدت مؤخراً، فرصة مهمة للصين وأوروبا معاً، في وقت يحتاج فيه الجانبان للحوار والثقة والتعاون في ما بينهما.

وعمل على تنظيم القمة في البداية، غرفة تجارة هامبورغ في عام 2004، وأصبحت منصة للحوار المفتوح بين أوروبا والصين، مع متحدثين من رجال الأعمال والسياسيين والأكاديميين من كلا الجانبين، بهدف استكشاف الفرص الاقتصادية، وتعزيز العلاقات بصورة شاملة.

ومنذ تنظيمها، أدت القمة دورها بشكل جيد. وحققت «قمة هامبورغ» قبل الأخيرة في عام 2016، نجاحاً ساحقاً، حيث سعت إلى تعزيز التعاون الاقتصادي بين الصين والاتحاد الأوروبي بصورة قوية.

ولكن منذ ذلك الحين، شهد العامان الماضيان تحولاً واضحاً، إن لم يكن جوهرياً، في المشهد الجيوسياسي والجغرافي العالمي، الأمر الذي انعكس أيضاً بشكل كبير على العلاقات بين الصين وأوروبا.

وتدور مواضيع مؤتمر هذا العام بوضوح، حول الاتجاهات الرئيسة والمسائل المتعلقة بالأعمال الاقتصادية والتجارية بين الصين وأوروبا، ضمن سياق أكبر، من خلال المشهد الجيوسياسي العالمي، حيث يقع الاتحاد الأوروبي على مفترق طرق، وكذلك تأثير المبادرات الصينية في أوروبا.

والاختبار الوشيك للجانبين، يتمثل برد فعل الصين وأوروبا على الوضع الجديد، وفي الوقت نفسه، بهدف تعزيز التعاون الاقتصادي وتوسيعه. أما التحديات المتعلقة بالعلاقات الصينية الأوروبية، فهي تتجاوز المناطق التقليدية.

وكون الصين وأوروبا من المراكز التجارية والاقتصادية الرئيسة في العالم، فهذا سيسهم في دفع التعاون الاقتصادي بين الجانبين قدماً، من خلال تخفيف الاحتكاك، وتعلم الثقة ببعضهما بعضاً.

ومع ذلك، فالشيء غير التقليدي، هو أن المنظور الصيني بنظر أوروبا، يتغير تدريجياً، من شريك إلى منافس. ويفسر هذا التغير في الإدراك المشاعر المختلطة لأوروبا تجاه الصين، في قضايا متعددة، مثل مبادرة الحزام والطريق، والاستثمار الصيني في أوروبا، والتقدم الصناعي الصيني الخاص.

وما يعقّد الوضع، هو موقف أوروبا والخلفية الجيوسياسية العالمية الشاملة، وكلاهما له علاقة كبيرة بالإدارة الأميركية الحالية. وخلال العامين المنصرمين، عانت أوروبا من قلة ثقة سياسية داخلية كبيرة، وخلافات خارجية مع الولايات المتحدة في القضايا الخارجية والأمنية والاقتصادية. وأصبح من الواضح بالنسبة للأوروبيين، أن الحاجة إلى استراتيجية أوروبية أكثر استقلالية، أصبحت وشيكة.

في هذه الأثناء، جلبت سياسات الإدارة الأميركية الحالية تجاه الصين، حالة كبيرة من الريبة في الاقتصاد العالمي والمجال الجيوسياسي، على حد سواء.

في غضون ذلك، يعتبر موقف أوروبا فريداً ومعقّداً. فالحرب التجارية بين الصين والولايات المتحدة، أو أي تدهور آخر في العلاقات بين الجانبين، سيثبت أنه ضار بالنسبة للمصالح الأوروبية على المدى الطويل. ومع ذلك، وعلى الرغم من أن أوروبا لا تشارك الإدارة الأميركية الحالية عقلية «الحرب الباردة الجديدة» تجاه الصين، إلا أنها لديها شكاوى مماثلة ضد الصين في القضايا الاقتصادية والتجارية.

ولذلك، فإن بعض الأوروبيين يأملون في الخفاء، في أن تستفيد أوروبا فعلياً من الوضع الحالي، وذلك بالاستعانة بالولايات المتحدة لتلقين الصين درساً، والحصول على فوائد على المدى القصير من العلاقات الأميركية الصينية الباردة الحالية.

وفي هذا السياق، يتعين على «قمة هامبورغ»، أن تمارس دورها في هذا المنعطف الحرج، ما يخفف من انعدام الثقة في أوروبا تجاه الصين.

وبالنسبة للصين، فإن الجهود المبذولة لضمان واكتساب الثقة من شريكها الأوروبي، هي بالفعل على الطريق. فالتزام بكين بمزيد من الإصلاح والانفتاح، أمر جاد وملموس.

ومع ذلك، تقول الصين إنها لا تفعل ذلك من أجل «إرضاء» أي طرف، أو نتيجة أي ضغوط، لأن هذا الأمر يصب في مصلحتها شخصياً. بالإضافة إلى ذلك، تحتاج نقاط نمو جديدة للتعاون الاقتصادي بين الصين وأوروبا، إلى مزيد من الاهتمام في مجال التقنية الرقمية، وهذا يسلط الضوء أيضاً على قمة هامبورغ هذا العام، ولا يزال هناك الكثير مما ينبغي عمله، لإيجاد فرص جديدة للصين وأوروبا.

وبالنسبة لأوروبا، يتعين عليها أن تؤمن بروح هذه القمة لبناء الثقة. ومن المفهوم أن تنامي الصين يولِّد مشاعر مختلطة، أو حتى عدم ارتياح في أوروبا، التي يجب أن يكون لها منظور متوازن، نتيجة تعاونها مع الصين، وألا تقع في الفخاخ القديمة من الأيديولوجية، أو حتى في حكم متحيز. ويمكن أن تساعد «قمة هامبورغ» على تحقيق ذلك.

 

 

Email