وصفة عربية لعلاج الخطأ

ت + ت - الحجم الطبيعي

ثلاث كلمات يتلقفها «غوغل» لينضح بما لا يلذ أو يطب. «خطأ» «العالم» «العربي»، أو Wrong Arab World

بدأت رحلة البحث بداية طفولية كمن يبحث عن علاج للأرق، أو حل للتعاسة، أو مخرج من الملل. كتبت بالإنجليزية «ما هو الخطأ في العالم العربي؟» فتفجرت النتيجة عناوين كتب، وأسماء مقالات بعضها علمي معتبر والآخر انتقامي مزدر.

ازدراء العالم العربي من قبل البعض واضح لا ريب فيه. تنضح مقالات وكتب وآراء بكم هائل من الكراهية حيناً والرفض حيناً والتعجب أحياناً. البعض يزدرينا لأسباب عنصرية تضع كل ما هو عربي في خانة دونية. والبعض الآخر يجهل هذا الجزء من العالم، ولم يسمع عنا إلا أخيراً، تارة بتفجر رياح تغيير قيل إنها ربيعية، وأخرى بتبعثر أوطان قيل إنها بصدد تأسيس دولة خلافة سموها «داعش».

وبين «داعش» ورياح التغيير، اهتم العالم بنا وبأخبارنا المتدفقة. ومع الاهتمام، تواترت محاولات الفهم وجهود التحليل. وحيث إن أصحاب الشأن (أي نحن) ما زلنا غارقين في إرهاصات ما بعد رياح الربيع وجهود التأسيس لشرق أوسط جديد، فلم لا نطلع على ما يراه غيرنا فينا؟!

خلاصة يوم كامل من البحث والقراءة توصلت للتالي: أذرع الإخوان الأكاديمية في بلاد غربية عدة ترى أن نجاح مصر في إجهاض حلم الجماعة بالإجهاز على البلاد وبلورة حلم الخلافة ساهم في اشتعال المنطقة تطرفاً وتشدداً وإرهاباً. وترى الأذرع أنه كان الأجدر أن تستسلم مصر، ومن ثم بقية العالم العربي، لهذه الجماعة «الوسطية» «السلمية» «المتنورة» «القادرة على التعامل مع الغرب»، بالإضافة لتمثيلها دور الحاكم المؤمن الذي يسحر ألباب المواطنين المؤمنين ويدغدغ مشاعر المسلمين المتدينين.

وعلى الجبهة ذاتها، تقف أصوات أكاديمية تتأرجح بين اليسار المتأمرك واليمين المتثور والتي لا تألو جهداً بحثياً في الدق على أوتار «القمع» و«الديكتاتورية» و«الاستبداد» إلى آخر مفردات السلطوية الواردة في مراجع العلوم السياسية. هذه الأوتار ولغرابة الأقدار دقت في بلدان عربية حين انقلبت على جماعة الإخوان التي كان يجب أن تستمر في الحكم. وإقصاؤها عن الحكم – في نظر هؤلاء - شكل من أشكال الاستبداد والسلطوية، وهما الخطأ الأكبر عربياً.

الخطأ الأكبر عربياً على محرك البحث «غوغل» يتسع كذلك للتنظير الذي يحرص على ارتداء عباءة الدين. فنجد مؤسسة بحثية «إسلامية» تعلل الخطأ الشائع عربياً بأنه نتاج طبيعي للابتعاد عن الإسلام، والتحلل من الشريعة، والتنصل من تطبيق الحدود على القاصي والداني.

ودون الخوض في تفاصيل تاريخية، أو عوامل جغرافية، أو ظروف اقتصادية، أو حتى مجريات القرن الـ21، تدور التفسيرات الشبيهة في دوائر متطابقة لا تخرج عن إطار ديني بالغ المحدودية رافض للأخذ بالأسباب العلمية والحداثية.

حديث «غوغل» عن الخطأ الذي ألم بالعالم العربي دافعاً إياه في اتجاه معاكس للقمة، يعرج إلى محاولات لفهم أسباب ابتعاد المنطقة العربية عن العلم والعلوم. وبعد مقدمات متكررة عن الإسلام الذي حمل راية العلم والتنوير على مدار قرون طويلة ما هيأ الطريق لأوروبا لترتقي في عصر النهضة والتنوير، ينتهي الحال دائماً إلى أسئلة دون إجابات حول إصرار المنطقة على الغوص في عوالم الصراعات والنزاعات والفتن، حتى وصف أحدهم حال العلم والبحث عربياً بأنه «جاف كالصحاري العربية».

لكن جفاف الصحاري العربية لم يمنع دولة كمصر من أن تكون مهداً للحضارات، ومنبعاً للفنون والآداب على مر العقود، وسبباً لتخليص المنطقة من شرور المتأسلمين، ودولاً كالسعودية والإمارات والكويت أن تتبوأ مكانة الصدارة في معدل الاستقرار الاقتصادي وفق تقرير التنافسية العالمي لعام 2018.

ورغم جفاف الصحاري العربية، إلا أن اهتمام الجميع لا يفتر بتحليل منابع الخطأ ومظاهره في العالم العربي. ولأن سم الكراهية يسهل دسه في عسل التحليل والتنظير، فإن هذا الفيض الهائل متخم بدفع في اتجاه مزيد من الفوضى بغية الحرية والديمقراطية، وقدر أكبر من تأليب الدول على بعضها البعض، وتهييج الشباب على الكبار، والطوائف ضد بعضها، والأقليات على الأغلبية وهلم جرا.

قد يكون كل ما سبق عادياً في مجال البحث والتنظير، حيث الأبواب مفتوحة دون محاذير أو محاظير. لكن من غير العادي أن تبقى الساحة العربية الأكاديمية والتحليلية شبه خاوية من مثل تلك المحاولات من البحث والتنقيب عن الأسباب التي دفعت العرب إلى مكانتهم الحالية. صحيح أن جانباً من المنظرين المحللين للأخطاء هم من العرب، لكنهم من العرب المقيمين في الغرب والمنتسبين لجامعاته والعاملين في مؤسساته.

ولتكن هذه دعوة لأن نبهر «غوغل» بجهود بحثية وتنظيرات علمية عربية حول ما ألم بالعالم العربي من خطأ، على أن تكون صادرة من جامعاتنا ومؤسساتنا البحثية ومجلاتنا ومواقعنا الإعلامية علنا نصل إلى وصفة فعلية لعلاج الخطأ وإصلاح الزلل وترميم ما جرى.

* كاتبة مصرية

Email