حول ديمقراطية ما يسمى بـ«الربيع العربي»

ت + ت - الحجم الطبيعي

غضب بعض الأصدقاء من إشارة بدت لهم سلبية في كلمة للرئيس السيسي في مؤتمر الشباب الدولي، الذي أنهى أعماله قبل أيام في شرم الشيخ، عن الحراك الذي انتهى بسقوط نظام مبارك في 25 يناير 2011.

بني الغضب على اقتطاع كلمة الرئيس من سياقها، ومن فكرة باتت ثابتة لديه، هي أن الدولة الوطنية حين تسقط، فمن المستحيل إعادتها مرة أخرى إلى ما كانت عليه، وتجربة ما يجري في ليبيا واليمن وسوريا والعراق خير شاهد على ذلك. وفي هذا السياق قال الرئيس إننا في مصر لم نستطع أن نعود بالبلاد إلى ما كانت عليه قبل يناير 2011 حتى الآن، وهي حقيقة لا يستطيع أن ينكرها الغاضبون!

الغضب مشروع، شرط ألا يكون تصيداً، أو رغبة في التباهي بالانتساب إلى «أهم حدث في تاريخ مصر المعاصر» كما يحلو لبعضهم وصف ما جرى في 25 يناير 2011.

الغضب مشروع، شرط ألا يغدو هروباً من مواجهة الحقائق التي أثبتت بما لا يدع مجالاً للبس، أن هذا الحراك حال بين الدولة الوطنية وبين العودة إلى جغرافيتها القديمة، وسلم مصيرها لجماعات الإرهاب الجهادي المتشددة، تقودها وترسم خطاها جماعة الإخوان الإرهابية المغامرة، والمسكونة برغبات متوحشة للصعود إلى السلطة على أطلال فوضى وخراب الدول، التي بلغت خسائرها خلال السنوات الست الأخيرة نحو 830 مليار دولار!

في التجربة المصرية، ما أن استولت جماعة الإخوان على حراك 25 يناير ووجهته لمصلحتها بدعم من أنصارها، فضلاً عن بعض أطراف من قوى مدنية بعضها ساذج وبعضها الآخر لا يخلو من انتهازية.

بالإضافة إلى الدعم الأميركي والغربي والإقليمي، حتى وظفت خطابها الشعبوي الذي يستغل حاجة المواطنين وفقرهم، لاستمالتهم وتجييشهم حول شعارات براقة، لا يملك معظمهم الإدراك الكافي للتمييز بين الزائف والصادق منها.

وعبر النظام الانتخابي الذي يختزل الديمقراطية في مجرد إجراء الانتخابات والاقتراع في الصناديق، صعدت جماعة الإخوان إلى سدة الرئاسة، وبدأت معاركها مع كل مؤسسات الدولة. وصاغت دستوراً تم الاستفتاء عليه فيما أسماه أنصارها بغزوة الصناديق، يتيح لها - كما قال أحد قادتها - البقاء في الحكم خمسمائة عام. صممت الجماعة بعد فوزها، ديمقراطية على مقاسها تعتبرها مجرد عملية انتخابية.

ومجرد حكم الأغلبية الذي لا يلقي بالاً لصون حقوق الأقلية، ليس هذا فقط، بل يجرد الديمقراطية من سلة القيم التي تعد شرطاً لوجودها وتشمل الحق في الترشح والانتخاب، والحق في الحرية والمساواة، والحق في التملك والتنقل، والحق في الاعتقاد والاجتماع والتظاهر والتنظيم، وصيانة حرمة الحياة الخاصة وسرية المراسلات والاتصالات، وضمان حرية العبادة وحريات الرأي والتعبير والإبداع.

وهذا الفهم الإخواني للديمقراطية تجاهل عن عمد، أن قوى الفاشية والنازية قد صعدت للحكم عبر صندوق الاقتراع، وشيدت أنظمة ديكتاتورية أهدرت حقوق شعوبها وشعوب العالم، حين اختزلت الديمقراطية في حكم الأغلبية.

وفي تونس، تتكرر التجربة المصرية بأساليب أكثر مراوغة وإرباكاً. وأخيراً كشفت السلطات التونسية، عن تنظيم سري لحركة النهضة الإخوانية، في سياق إعادة التحقيق في اغتيال المعارضين التقدميين شكري بالعيد ومحمد البراهيمي، بعدما قادا حملات لكشف أساليب حركة النهضة في استخدام الاغتيالات لإرهاب خصومها، وإخضاع المجتمع لتحقيق مصالحها.

وكشفت السلطات وهيئات الدفاع عن المعارضين، أن زعيم الحركة راشد الغنوشي هو المسؤول المباشر عن هذا التنظيم، وأن قيادات من جماعة الإخوان المصرية، هي التي دربت إخوان تونس على تأسيس التنظيم السري الذي تبين حيازته لكشوف بأسماء قيادات أمنية في الجيش والشرطة وشخصيات عامة وعناوين مقار إقاماتهم.

وخطط لتدريب أعضاء النهضة، ووثائق تشمل معلومات تتعلق بطرق صناعة القرار السياسي في البلاد.

سبع سنوات على الحراك التونسي الذي أسقط حكم بن علي، وأتاح لحركة النهضة الإخوانية المشاركة في الحكم، انتهت بزيادة حدة العنف والإرهاب في المجتمع، وفشل الائتلافات الحكومية في تقديم حلول للأزمة الاقتصادية.

والتلاعب بأدوات الديمقراطية الشكلية الخالية من أي مضمون اجتماعي أو اقتصادي، التي باتت تتقنها حركة النهضة للبقاء في المشهد السياسي، مما أفقد الشعب التونسي الثقة في أن الديمقراطية هي الوسيلة المثلى لإخراج بلدهم من أزماتها المتفاقمة.

نعم.. حراك ما يسمى بـ «الربيع العربي» قوّض الدولة الوطنية، وأشاع اليأس لدى شعوب المنطقة من أن الديمقراطية طريق مأمون لتحسين حياتهم، وقبل هذا وبعده، فقد أسلم المنطقة لجماعة الإخوان وأنصارها من قوى الإرهاب الخارجة من معطفها والمتعطشة للسلطة وسفك الدماء، ومن لديه أدلة غير ذلك فليشهرها على الملأ!

* رئيسة تحرير جريدة «الأهالي» المصرية

 

 

Email