أميركا وروسيا ومعضلة الأسلحة النووية

ت + ت - الحجم الطبيعي

انسحاب إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب الوشيك من معاهدة القوى النووية المتوسطة المدى لعام 1987 يشير إلى أكثر من حقبة جديدة من المنافسة السريعة في أوروبا وشرق آسيا.

ويشير ذلك إلى أن سباق التسلح النووي قد تجاوز الآن الحرب الباردة بثلاثة عقود. ولإبطاء الاندفاع نحو تخزين أسلحة دمار شامل جديدة أقوى، فإننا لا نحتاج فقط إلى قادة يتحلون برؤية ثاقبة فحسب مثل رونالد ريغان وميخائيل جورباتشوف، بل إلى تغييرات مهمة في الثقافة العسكرية والسياسية.

لقد عانى بعض الرؤساء الأميركيين من تشوه سمعتهم بشكل دراماتيكي فيما يتعلق بالأسلحة النووية مثل الرئيس الأميركي الأسبق رونالد ريغان. فقد احتل منصبه كرئيس جديد من المحافظين، متلهفاً على طي صفحة الماضي بعقد من الانفراج مع الكرملين، من خلال اتفاقيات الحد من الأسلحة النووية مثل معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية لعام 1968 .

ومعاهدة عام 1972 للحد من الأسلحة الاستراتيجية والصواريخ الباليستية. وقد غادر منصبه في عام 1989 بعد أن أقنع الحزب الجمهوري بأن التخلص من العديد من الأسلحة النووية - إن لم يكن كلها - يمثل هدفاً جديراً بالثناء بدلاً من كونه أرضية لكيل الاتهامات.

ومع ذلك، وحتى مع كل النجاح الذي حققه ريغان في معاهدة الحد من الأسلحة النووية، فقد عجز مستشاروه عن تقريب مؤسسة الأمن القومي إلى حدود أكثر شمولاً من الأسلحة النووية، مما يوضح أن قادة الرؤية وحدهم لا يمكنهم حل معضلة سباق التسلح.

في 8 ديسمبر 1987، وقع ريغان وغورباتشوف معاهدة الحد من الأسلحة النووية في الجناح الشرقي للبيت الأبيض، وهي أول اتفاقية فعلية للتخلص من الأسلحة النووية التي تطلق من الجو والصواريخ الباليستية قصيرة المدى التي يتراوح مداها بين 500 و5500 كيلو متر.

وكانت المعاهدة تتويجاً للشراكة الودية، وليست القتالية، التي كان الزعيمان قد عقداها في قمتيهما في جنيف وريكيافيك بآيسلاندا. وعلى الرغم من كل التباينات الإيديولوجية بينهما، وضع الاثنان مسودة معاهدة الحد من الأسلحة الاستراتيجية (ستارت) ثم استكشفا بعد ذلك سبل التدمير الشامل للصواريخ الباليستية والتخلص من القوات الاستراتيجية وكذلك ترساناتهما النووية بالكامل. وانتهت قمة ريكيافيك من دون اتفاق عندما رفض ريغان مطالب غورباتشوف بتقييد مبادرة الدفاع الاستراتيجي.

وفي الوقت الذي أعرب فيه ريغان عن قلقه من فشل الجانبين في التقدم نحو إلغاء الأسلحة النووية، وأن كل الجهود التي بذلت للتخلص من الأسلحة النووية سوف تنهار، وقد أثارت التطورات في ريكيافيك مخاوف مختلفة تماماً داخل وخارج إدارة ريغان.

وكانت النتيجة رد فعل عنيفاً ضد محادثات الأسلحة النووية في البنتاغون والبيت الأبيض. لقد رأت مؤسسة الأمن القومي أن الفوز بالمنافسة العسكرية الصناعية مع الاتحاد السوفييتي يشكل أكثر من مجرد ممارسة حكيمة من أجل حماية الأمن القومي، واعتبرها مسؤولو وزارة الدفاع حقيقة راسخة.

لذلك فإن فرضية مفاوضات الحد من التسلح ذاتها تعتبر معيبة - حتى عندما كانوا في طريقهم لحضور قمة ريكيافيك، كان غورباتشوف قد وافق على كل موقف أميركي تقريباً في المحادثات المتعلقة بالقوات النووية متوسطة المدى، بما في ذلك التخلص بالجملة من الأسلحة في أوروبا وآسيا دون الالتفات إلى الترسانتين البريطانية أو الفرنسية.

ولكن بعد ذلك، عندما طلب وزير الخارجية الأميركي جورج شولتز مزيداً من الغرف التفاوضية في المحادثات التي عقدت في جنيف، قلص وزير الدفاع الأميركي كاسبر واينبرغر السيطرة على التسلح، موضحاً أنه إذا كانت القوى العظمى تثق ببعضها بعضاً بما فيه الكفاية للتحقق من هذه الاتفاقات، لما كانوا بحاجة إليها في المقام الأول. وقد عرقل رد الفعل العنيف هذا المفاوضات.

وبعد مضيّ واحد وثلاثين سنة على توقيع ريغان وغورباتشوف على معاهدة القوى النووية متوسطة المدى، يبدو أن الرئيس ترامب ومستشار الأمن القومي جون بولتون قد أصدرا مذكرة الإعدام ضدها. إذ قررا إنهاء معاهدة ستارت الجديدة مع روسيا من دون بديل لها بدءاً من 5 فبراير 2021، ولن تتقيد الترسانتان الأميركية والروسية بالمعاهدة الدولية للمرة الأولى منذ توقيعها في 1972.

وإلى أن يتساءل قادة دفاعنا عن السبب في أن أقوى دولة أمن في تاريخ العالم يستهلكها تفوقها العسكري، فإن أي رئيس يجب أن يكافح لكبح الاتجاهات الطبيعية للدول لتسليح نفسها بنفسها.

إن كسر هذه الحلقة الشريرة يتطلب أكثر من قادة حكيمين، حتى أولئك الذين يعتبرون قادة تحويل مثل ميخائيل جورباتشوف ورونالد ريغان. ويتطلب الأمر تغييراً أوسع في الكيفية التي يفكر ويتحدث بها الشعب الأميركي والمدافعون عنه وعن الأمن القومي.

 

Email