معالي الوزير

ت + ت - الحجم الطبيعي

من منا لا يغريه لقب (معالي الوزير) ويطمح إلى هذا اللقب السحري لما فيه من مكانة واحترام على الصعيدين المهني والاجتماعي.

لكن في الوقت نفسه يجهل الكثيرون حجم المسؤوليات الكبرى التي تقع على عاتق الوزير، والتي قد تنوء بحملها الجبال. إذ ليس كل الناس قادرين على حمل تلك المسؤوليات والقيام بهذا الحجم من العمل بنجاح .

كما يتصوّر البعض، والوزير لديه آلاف الموظفين ومئات العمليات التي تجري تحت إشرافه، وهذا الأمر يتطلّب مهاراتٍ إداريةً متميزةً ومرونةً كبيرةً، ومقدرةً عاليةً على تحمّل ضغط العمل، وإدراكاً دقيقاً لجميع تفاصيل العمل في مجال وزارته.

وعلى الرغم من الفكرة السائدة في المجتمع العربي بأنّ التوزير هو تشريف للوزير، وأنّ لقب (معالي الوزير) هو هديّة لإكمال الوجاهة الاجتماعية، إلّا أنّ الواقع ليس كذلك، فالتوزير تكليف لا تشريف، لأنّ مهمّة الوزير مهمّة صعبة، ووظيفتُه إداريةٌ تنفيذيةٌ وليست شرفيةً كما يَظهَر للعامة.

لذلك نسمع عن كثير من الأشخاص البارزين في المجالات العلمية والمهنية اعتذروا عن قبول منصب الوزير، ليس لأنهم يجدون ضعفاً في أنفسهم أو في معارفهم وعلومهم الأكاديمية أو خبراتهم العملية، وإنّما بسبب إدراكهم لحجم مسؤوليات الوزير ومعرفتهم بأنّ هذا المنصب يتطلّب صفاتٍ معيّنة في الإنسان لكي ينجح ويثبت جدارته ويقود وزارته باحترافية وكفاءة.

فالوزير مسؤولٌ أمام القيادة وأمام الشعب عن عمل وزارته، وهو محطّ أنظار وسائل الإعلام على اختلاف أشكالها، وهو تحت المجهر بشكل دائم وعليه الظهور والتصرف بالشكل الملائم والأسلوب الملائم في كل زمان ومكان.

وحيث إنّهم أصحاب القرار الحاسم في المسائل الحيوية التي تخصّ وزارتهم والإدارات التابعة لها، نجد أنّ الوزراء الناجحين هم من يتمتّعون بقدر كبير من المعرفة الأكاديمية والعملية، ويمتلكون رؤية متبصّرة للمستقبل، وقدراً عالياً من التركيز والكفاءة الإدارية.

والحكومات التي تنشد التقدّم والتطوّر هي حكومات (التكنوقراط) المتخصصة التي تعتمد على التخصص والمعرفة والكفاءة وتضع الإنسان الجدير في المكان المناسب له، دون التفات إلى الانتماءات الحزبية أو الجهوية أو القبلية...

وهكذا يستطيع الوزير أن يؤدّي عمله بإتقان وجودة لأنّه يدرك متطلّبات هذا العمل، ويفهم أنّ حقيبته الوزارية هي حقيبة مليئة بالملفات والقضايا الحيوية والمهمة، التي يُطلَب منه تولّيها بالاهتمام والرعاية وتقديم الحلول لها.

كثير من الوزراء في العالم المتقدّم يستقيلون من مناصبهم بسبب تقصير في أحد مفاصل العمل، أو بسبب تقصير شخصي في أداء مهامهم، رأينا ذلك في بريطانيا بداية العام الجاري؛ حين استقال اللورد مايكل بيتس وزير التنمية الدولية بسبب تأخره دقائق عدّة عن جلسة استجواب في البرلمان.

معتذراً عن عدم تحمّله لمسؤوليته في الإجابة عن أسئلة النواب. ورغم أنّ الاستقالة قوبلت بالرفض من قبل رئيسة الوزراء إلّا أنّها سلّطت أنظار العالم على هذا الوزير الذي يدرك تماماً معنى أن يتحمّل المسؤولية.

ورأينا مشهداً مماثلاً خلال شهر أغسطس الماضي، حين قدّم وزير البيئة الفرنسي نيكولا أولو استقالته لأنّه وجد أن الحكومة لا تستجيب للتحدّيات البيئية بالشكل المطلوب، وأنّها لا تعمل بالفاعلية اللازمة التي ترقى إلى مستوى التحديات!

وعلى الرغم من صعوبة المهام المنوطة بالوزير، إلّا أنّ الأمر لا يخلو من صورة مشرقة، ففي دولة الإمارات العربية المتحدة لدينا ثقافة قوامُها الجدارة والكفاءة والتميّز في أداء العمل.

لذلك وجدنا صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي «رعاه الله» خلال أكتوبر من العام الماضي يختار نخبة من المتميزين ليتولّوا مسؤولية العمل الحكومي في الوزارات، ورغم مفاجأة العالم بأنّ أعمار وزراء عدّة لم تتجاوز الثلاثين، إلّا أنّ هؤلاء الوزراء أثبتوا أنّهم أهل لتحمّل المسؤولية.

وحملوا على عاتقهم أعباء العمل الوزاري بكلّ جدارة وكفاءة، منطلقين من رؤية سموّه حين قال في إعلانه للحكومة الجديدة: «الحكومة الجديدة هي حكومة عبور للمئوية الإماراتية الجديدة.. هدفها تطوير المعرفة.. ودعم العلوم والأبحاث.. وإشراك الشباب في قيادة المسيرة».

وقد رأينا ثمار جهود هؤلاء الوزراء على أرض الواقع، وكيف استطاعوا أن ينجحوا على الصعيدين المهني والاجتماعي، مثبتين للعالم أنّ لقب (معالي الوزير) الذي يحملونه جدير بهم .

كما هم جديرون به، لما قدّموه من نتائج لافتة خلال زمن قياسي، فنحن ما زلنا نلمس بشكل يومي تطويراً هنا وتحديثاً هناك في كلّ مفصل من مفاصل العمل الوزاري، الأمر الذي جعلنا جميعاً نتطلّع إلى وزرائنا بثقة عالية بتحقيق رؤية القيادة الرشيدة في مستقبل واعد وزاهر.

* المنسق العام لبرنامج دبي للأداء الحكومي المتميز

 

 

Email