الدولة الحديدية

ت + ت - الحجم الطبيعي

كثيراً ما نسمع وصف «الحديدية»، الذي يصف تلك الحالة الاستثنائية والقدرات الكبيرة التي تعبر عن الموصوف أو ما يسبق هذا الوصف فنقول مثلاً «المرأة الحديدية»، ومع هذا لم يتداول أحد من قبل مصطلح «الدولة الحديدية» ومقوماتها واستثناءاتها التي تجعل منها دولة قوية في مختلف المجالات.

ومتماسكة من الداخل وواضحة المعالم الخارجية، ولهذا سنبحث معكم في مقالنا هذا مقومات الدولة الحديدية، وأبرز صفاتها. يمتاز الحديد بأنه صلب وناعم الملمس، وهذه أحد أهم ركائز الدولة الحديدية أن تكون صلبة ومتماسكة يصعب كسرها، وبنفس الوقت ناعمة الملمس أو ما يعرف بمقومات القوى الناعمة،.

فبقدر صلابة القدرة على الدفاع والهجوم بالطرق التقليدية الصلبة سواء من خلال الجيوش الجرارة بالعتاد والتعداد العسكري بقدر ما يجب رسم ملامح الدولة الناعمة السلمية، التي تفرض احترامها بين الدول بمنهج أفكارها وقياداتها التي تحافظ على توازن قواها الناعمة والصلبة في نفس الوقت دون أن يكون لأحدهما تأثيره السلبي على الآخر، وينسجم الاثنان ويصبان في نفس الهدف؛ الارتقاء بالدولة وفرض احترامها وسيادة قراراتها بين الدول.

قد يجهل البعض أن من خواص الحديد «المرونة»؛ نعم المرونة فهو قادر على التشكل والرجوع إلى شكله الأصلي إن أردنا ذلك، وهكذا الدولة الحديدية، التي ترسم شكلها العام، وتشرع قوانينها المرنة لتواكب كل ماتحتاجه لمواكبة المستقبل انطلاقاً من ماضيها المشرّف وحاضرها المزدهر، فهي تتكيف مع الظروف قدر المستطاع كي لا تنكسر، وحتى وإن تعرضت لأشد أنواع الضغوطات والظروف، إلا أنها قادرة ـ كالحديد الذي يتحمل حرارة الانصهار ـ لتعود صلبة كما كانت بشكلها الأساسي.

للحديد استخدامات كثيرة وعديدة، بل ويعتبر من أهم الثروات الطبيعية ويدخل في صناعة الكثير من الصناعات في مختلف القطاعات حتى أنه يدخل في تشكيل الدم البشري وأحد أهمّ العناصر المكوّنة للكلوروفيل في النباتات، وكذلك يجب أن تكون الدولة الحديدية، أن تنوّع اقتصادها ومجالات ممارستها، وتدخل في كل صغيرة وكبيرة فيما يصب في مصلحة اقتصادها،.

ويعود بالنفع المالي ليمكنها من تحقيق طموحاتها الاقتصادية واسعة النطاق، ومهما يحصل من تزعزع في أي قطاع تجد ما يعينها في قطاعات أخرى، وبهذا تستمر عجلة الاقتصاد بالدوران محققة أرقاماً إيجابية في معدلات التنافسية العالمية، وبهذا تفرض سيطرتها الاقتصادية ومكانتها المالية بين الدول لفترات طويلة متجاهلة وواضعة خلفها الأزمات أو الهجمات الاقتصادية.

قد يعيب البعض على الحديد أنه يصدأ، ولكن هذه المشكلة بسيطة والحل فيها سهل وهو بمعالجة الصدأ قبل حدوثه عن طريق «قصدرة الحديد» أو طلائه بمادة تحميه وكلما احتاج لذلك نعاود الكرة من جديد، وهذا ما على الدولة الحديدية انتهاجه.

فكثيراً ما تصدأ مؤسسات في الدول، وتبدأ بالتآكل من الداخل حتى تهرم، نتيجة للترهل وضعف آليات الرقابة والفساد الإداري وعدم مواكبة التقنية والتغيير واستشراف المستقبل وغير ذلك، ولهذا على الدول إيجاد منظومة رقابية داخلية تعالج مشاكل مجتمعها ومشاكل مؤسساتها ووزاراتها حتى من قبل حدوثها، بل وتتوقع وتتنبأ بالمشاكل المحتملة لمعالجتها منذ البداية.

من يريد أن تزدهر بلاده وتصنع أمجاداً تُكتب في صفحات التاريخ عليه أن يؤسس للدولة الحديدية، وأن ينظم أفكارها وعمل وزاراتها ومؤسساتها، ويعلم أجيالها على هذه المبادئ التي تجعل منها كتلة متماسكة يصعب قهرها، فالدول الضعيفة لا تعيش بسلام طويلاً مهما فعلت وامتلكت من الخيرات والثروات، بل ستكون محط أنظار وأطماع.

وحينها سيصبح التنازع حولها يزداد يوماً بعد يوم، ولهذا منذ البداية يجب التأسيس لدولة حديدية صلبة ومرنة في نفس الوقت.

دولتنا القوية.. دولة الإمارات لديها جميع مقومات الدولة الحديدية، ولدى قياداتها نهج الاستمرارية في جعل دولتنا ترتقي يوماً بعد يوم لتزداد قوة ومنعة، وندعو الله أن تتحمل أجيالنا المقبلة هذه المسؤولية، لتكمل مسيرة الإمارات؛ الدولة الحديدية.

 

Email