حوار المنامة 2018

ت + ت - الحجم الطبيعي

دأب المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية على عقد مؤتمر دولي في المنامة كل عام لمناقشة الأوضاع الأمنية في المنطقة. ويأتي كبار الساسة من المنطقة وخارجها وكبار المسؤولون والمتخصصون في شأن المنطقة لهذا المؤتمر الذي أصبح ضرورة للاطلاع على مجريات الأمور في منطقة الخليج ومحيطها.

ومن قراءة أعمال المؤتمر والاستماع للكلمات التي ألقيت من قبل المسؤولين تستطيع أن تتعرف على الهموم الأمنية والسياسية للمنطقة.

وقد يكون جمعها تحت عنوان واحد، أو التعامل معها بسياسة واحدة ضرباً من الخيال. ولعل ما يعوز المنطقة كثير من الفهم لمشاكلها التفصيلية وعدم التعامل على أساس أنها منطقة واحدة يجري عليها ما يجري على الكل.

فعلى سبيل المثال كانت الكلمة الافتتاحية للملك عبدالله الثاني عاهل الأردن، يوم الجمعة 26 أكتوبر مساء، ألقاها نيابة عنه وزير الخارجية الأردني، تتحدث عن هموم منطقة الأردن التي تعج باللاجئين السوريين وما يتجشمه الأردن ويتحمله، إضافة إلى المشكلة الفلسطينية التي تلقي بمسؤولياتها وظلالها القاتمة على المنطقة في ظل إدارة أميركية منحازة بالكامل إلى إسرائيل. وأكد العاهل الأردني مسؤولية الأردن تجاه المقدسات الإسلامية والمسيحية والتي تتعرض للتهديد بسبب الاعتراف الأخير من قبل الإدارة الأميركية بالقدس عاصمة لإسرائيل.

ولعل الجلسة الأولى في اليوم التالي التي كانت بعنوان «سياسة الولايات المتحدة تجاه الشرق الأوسط المتغير» حملت معها رسائل مهمة ألقاها وزير الدفاع الأميركي جيمس ماتيس. فالرسالة الأولى إلى المنطقة أن الولايات المتحدة هنا لتبقى، ودلل على ذلك بتواجده وتواجد الولايات المتحدة في المنطقة. وقال إن هناك كثيرين لا يشاركوننا الرغبة في رؤية شرق أوسط مزدهراً ومستقراً إلا أن الولايات المتحدة مصرّة على التعاون مع الأصدقاء الذي يشاركونها الرؤية. لأن الشرق الأوسط هو أسّ استقرار العالم، فشرق أوسط مستقر يعني عالماً مستقراً.

ولم يخفِ ماتيس من هو سبب عدم الاستقرار في المنطقة، فأشار إلى إيران بأنها تعبث بالأمن في المنطقة. فهي تزود الحوثيين بالأسلحة والصواريخ التي تسقط على المملكة العربية السعودية. وتقوم بالوكالة بعرقلة حرية الملاحة الدولية كما حصل من قبل الحوثيين في يوليو الماضي عندما هاجم الحوثيون السفن الملاحية في باب المندب.

وأعلن في استعراضه للمشاكل الأمنية عن التحالف الذي سيقوم في المنطقة بين دول مجلس التعاون مع مصر والأردن والولايات المتحدة. وقال مستهلاً الإعلان، إن الدول التي لها حلفاء تزدهر والدول التي تخضع حلفاءها لرغباتها تفشل وتذهب ريحها.

وكان الدور في الحديث على اللاعبين الإقليميين متمثلاً في المملكة العربية السعودية ومملكة البحرين. ففي الجلسة الثانية بعنوان «تحول العلاقات وانبثاق النظام الشرق الأوسطي الجديد»، تحدث كل من الشيخ خالد بن أحمد آل خليفة وزير خارجية البحرين، وعادل الجبير وزير خارجية السعودية.

وأشار الشيخ خالد إلى أن المنطقة تواجه مجموعة من المعطيات المعقدة التي تشي عن تحديات إذا لم يحسن المجتمع الدولي من التعامل معها ستؤدي إلى زعزعة الاستقرار للأمد البعيد. وركّز الوزير على عدة نزاعات إقليمية تأججت بسبب التدخلات الخارجية. فاليمن، آخر ضحايا إيران، يعاني من تدخلات إيران والتي أدت إلى حرب مستعرة؛ وكان للدعم الإيراني للحوثيين عاملاً حاسماً في تعنّت الأخير وعدم استجاباتهم للتفاوض لإنهاء الحرب في اليمن.

كانت كلمة عادل الجبير مقتضبة لكنها بليغة. فقد تحدث الجبير عن تاريخ المنطقة وعن الحروب التي تشهدها المنطقة من سوريا إلى اليمن. ولكن الوزير استدرك النظرة القاتمة بنظرة متفائلة عن المنطقة والتي تشهد تغيراً كبيراً إلى الأفضل. والتغيير الذي تشهده المنطقة هو بسبب السعي نحو التكنولوجيا المتقدمة ونحو الابتكار ونحو حكومات وسياسات رشيدة.

والمنطقة -والكلام للجبير- تشهد رؤيتين متناقضتين: رؤية نيرة، وأخرى قاتمة وظلامية. السعودية ودول الخليج مع النظرة الأولى، وإيران تقف مع الثانية التي تنادي بالطائفية والصراعات والسيطرة على المنطقة.

وكان الجميع بانتظار وزير خارجية عُمان يوسف بن علوي لتقديم تفسير حول الزيارة المفاجئة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى مسقط. وقد استهل الوزير العماني حديثه بالقول إن الجميع يريد أن يعرف ماذا أسفرت عنه زيارتي الرئيس الفلسطيني محمود عباس ونتنياهو إلى عُمان. وقال الوزير إن دورنا يقتصر على التسهيل وليس الوساطة بين الطرفين. وإن معظم العمل سيعتمد على ما تفعله الولايات المتحدة وما ستحمله صفقة القرن. علينا أن نعمل سوياً على إنهاء الصراع، والعالم سيعمل معنا على إنهاء هذا الصراع.

يعتبر مؤتمر حوار المنامة من أكبر التجمعات لاستعراض القضايا الاستراتيجية والأمنية في منطقة الخليج والعالم العربي وما جاورها من المناطق. ومؤتمرات كهذه هي المسودة الأولى للسياسات في المنطقة الخليجية والعربية. والاهتمام بها مهما لغاية فهم ما جرى ويجري وما ستشهده المنطقة من أحداث.

Email