أحكام القضاء تدعم الدولة المدنية

ت + ت - الحجم الطبيعي

ينضم الحكم الذي أصدرته قبل يومين المحكمة الإدارية بمجلس الدولة في مصر، إلى سلسلة الأحكام التي تتابع صدورها منذ نحو أربعة أعوام ضد قيادات جماعة الإخوان، وأنشطتهم الاستثمارية التي مولت جرائمهم في هدم مؤسسات الدولة، ونهب أموالها، وتدريب وتسليح جماعات الإرهاب الجهادي، وجلبها من أصقاع الأرض وتسكينها بموارد الدولة المصرية في شبه جزيرة سيناء، والحكم يقضي بإنهاء خدمة أحد العاملين بوزارة الخارجية لانضمامه إلى جماعة الإخوان.

وأرست حيثيات حكم المحكمة عدداً من المبادئ العامة، في القلب منها أن الجماعة المذكورة تم تأسيسها على خلاف أحكام القانون، وعطلت أحكام الدستور والقوانين، ومنعت مؤسسات الدولة والسلطات العامة من عملها، واعتدت على الحريات الشخصية للمواطنين، وعلى الحقوق والحريات العامة التي كفلها الدستور، وأضرت بالوحدة الوطنية والسلام الاجتماعي.

أما المبدأ الثاني الذي أقرته المحكمة، فقد اعتبر أن الانضمام لتلك الجماعة، يعد تهمة مسيئة للسمعة، ومخلة بالشرف، وأنها جريمة تحط من قدر مرتكبها، وتتنافى مع ما تقتضيه الوظيفة العامة، وقدم الحكم تعريفاً للجريمة المخلة بالشرف، بأنها تعود إلى ضعف في خلق مرتكبها، وانحراف في طبعه، وتأثره بالشهوات والنزوات وسوء السيرة، وهو ما ينطبق على جريمة الانضمام لجماعة الإخوان التي استخدمت كافة الوسائل ومنها الإرهاب لتحقيق أهدافها.

وكان الموظف المذكور قد حكم عليه قبل سنتين من قبل محكمة الجنايات بالسجن المشدد لمدة ثلاث سنوات، بتهمة حيازة بيانات وكتب معدة للتوزيع تروج لأفكار العنف والإرهاب لجماعة الإخوان لتحقيق أهدافها، واستندت وزارة الخارجية إلى هذا الحكم، وإلى قانون الخدمة المدنية رقم 81 لسنة 2016 الصادر في توقيت صدور حكم السجن المشدد عليه لإنهاء خدمته في العمل لديها.

فلجأ الموظف إلى المحكمة الإدارية بمجلس الدولة لاختصام الوزارة والمطالبة بإلغاء قرار فصله، فانتهت المحكمة إلى قرارها السابق، معتبرة أن استمرار المدعي بالوظيفة العامة، بعدما ألحقت به التهم المسيئة للسمعة والماسة بالشرف والأمانة، يتعارض مع مقتضيات الوظيفة العامة، ومع طبيعة عمله بالجهة الإدارية التي يدعي عليها.

وأكدت المحكمة أن الموظف اقترف من الجرائم ما يسيء إليه وإلى الجهة التي يعمل بها، وأنه انحرف عن السلوك القويم الواجب التحلي به، مما يفقده الثقة والاعتبار المفترضين في أداء الواجب المنوط به، ومن ثم كان محتماً على جهة الإدارة إنهاء خدمته، بعدما نسب إليه من جرائم تحط من قدر مرتكبها، وتتنافى مع مقتضيات الوظيفة العامة، ومن ثم يصبح قرار الجهة الإدارية-وزارة الخارجية -المطعون فيه متفقاً تماماً مع صحيح حكم القانون.

هذا الحكم القضائي التاريخي يشكل أحد حوائط الصد القانونية لردع المحاولات الساعية لإعادة تأهيل جماعة الإخوان، للعودة إلى المجال العام عبر المماحكات القضائية، التي لا تتوقف، منذ السقوط المدوي لحكمها الفاشل والفاشي في الثلاثين من يونيو 2013.

وفي هذا السياق جاءت دعوة الرئيس السيسي باستحضار الوعي اللازم، لدى القادة والمثقفين، لتقديم صورة كلية وحقيقية لتصل إلى عقول ونفوس المصريين الأسوياء، الذين يشكلون الكتلة الصلبة لمصر، كي يدرك الجميع عبر هذا الوعي، أن المعركة مع الإرهاب حققت نجاحات، لكنها لم تنته بعد.

وتأتي هذه الدعوة لتشكل دعماً آخر لمعركة الردع تلك، لاسيما أن المرارات التي خلفتها العمليات الإرهابية لجماعة الإخوان، وجماعات الإرهاب الجهادي التي تدين لها بالولاء ،كادت أن تترك شهيداً في كل بيت في مصر، وعاطلاً عن العمل أو أكثر بعد التدمير الذي ألحقه إرهابها بقطاع السياحة الحيوي مما يؤكد الرفض الشعبي الجارف لدعوات المصالحة وإعادة التأهيل المضللة.

وليس سراً أن الدعم السعودي والإماراتي للحكم الذي ترسخ في مصر بعد ثورة يونيو الشعبية، وإدراج الدولتين جماعة الإخوان في عداد المنظمات الإرهابية، والتصدي القانوني لمن يروجون لأفكارها، قد لعب دوراً محورياً في ردع المحاولات التي كانت تسعى خلالها جماعة الإخوان بدعم غربي وأميركي، لتغيير معالم دول المنطقة جغرافياً وجيوسياسياً.

كما بات لا يخفى على فطنة أحد أن أهم أهداف الحملات الصاخبة المتصاعدة على السعودية الآن، تستهدف تقويض التحالف الخليجي-المصري للتصدي لخطط الإخوان المدمرة من جهة، ولرفض الضغوط التي تمارس لإعادة دمجهم في المجتمعات العربية، ولإفشال الجهود المشتركة للتوصل إلى حلول ممكنة لأزمات دول المنطقة من جهة ثانية، وعلى من يفطنون إلى ذلك إدراك أنه هدف يسعى لكي يسود منهج (الفوضى الخلاقة ) التحالف التركي مع قطر والتحالف الأميركي مع إسرائيل للتحكم في مصائر دول المنطقة!

 

 

 

Email