مصر والسودان.. شراكة المصير تحمي النيل

ت + ت - الحجم الطبيعي

لا يوجد شعبان ارتبط مصيرهما المشترك على مدى التاريخ، مثل شعبي وادي النيل «مصر والسودان»، ولا يوجد قطران لم تنقطع المؤامرات ضدهما من أجل إشاعة الفرقة وانعدام الثقة، كما حدث ويحدث مع مصر والسودان.

من هنا، تبدو أهمية كل خطوة على الطريق الصحيح، فالمخاطر هائلة على الجميع، والتحديات صعبة، وبدون إدراك أن الوقوف معاً في خندق واحد، هو السبيل لهزيمة المتآمرين، فإن الثمن سيكون فادحاً، وبدون استيعاب دروس الماضي والبناء على أسس صحيحة، فإن الشعوب لن تسامح بعد ذلك على تكرار الخطأ.

القمة المصرية السودانية قبل أيام، كانت إشارة جيدة إلى استعادة الثقة، وقبل عامين كان توقيع اتفاقية الشراكة والاستراتيجية، ورغم خلافات عادية أو عقبات مصطنعة من الكارهين والمتآمرين، فإن مسيرة استعادة الثقة وبناء جسور التعاون في كل المجالات مضت في طريقها.

بالطبع، كان التعاون الأمني أساسياً في وقت تخوض فيه مصر حرباً مصيرية ضد عصابات الإرهاب، ويواجه السودان تحديات كبيرة على كل حدوده، ويبذل جهوداً كبيرة للحفاظ على وحدة ترابه.

لكن الشراكة كانت تمتد بآفاقها إلى ما هو أبعد وأشمل. وإذا كانت الاختلافات في بعض الرؤى حول سد النهضة الإثيوبي في مرحلة سابقة، قد أثارت المخاوف على مصالح البلدين الشقيقين، فإن تطورات الأحداث بعد ذلك قد أنهت تقريباً كل هذه الخلافات.

استعادة الثقة كانت تترافق مع الوعي بضرورة أن تكون الشراكة قائمة على أسس ثابتة، وأن تتجاوز الخلافات الصغيرة في وجهات النظر، إلى تعميق التعاون من أجل التنمية والتقدم في كل المجالات. ومن هنا، كانت القمة الأخيرة تأكيداً على الاستمرارية في العمل من خلال اجتماعات اللجنة العليا المشتركة، التي تواصل اجتماعاتها على المستوى الرئاسي مرتين في العام. وكان التوقيع على اثنتي عشرة اتفاقية، غطت مجالات كثيرة، كان أهمها الربط الكهربائي بين البلدين، والبدء في ربط خطوط السكك الحديدية والنقل النهري، لتفتح آفاقاً جديدة للتبادل التجاري والتعاون في التنمية الصناعية والزراعية التي تتوافر لدى البلدين كل مقوماتها، والتي تمثل فرصة جيدة لتكون أفضل استثمار لرأس المال العربي.

التنمية التي تحقق مصالح كل الأطراف، هي الأساس الذي ينبغي البناء عليه. والاستمرارية بخطوات ثابتة، مهما كان حجمها، هو ما يضمن أن نستكمل البناء في النهاية، ولا شك أن الشراكة الاستراتيجية بين القطرين الشقيقين، لم تعد مجرد استجابة لنداء التاريخ أو لاحتياجات الموقع، وإنما أصبحت ضرورة حياة لشعبي البلدين، وضرورة استقرار لأمن دول حوض النيل، ثم. هي حجر أساس لجمع الجهد العربي والأفريقي لضمان الأمن في البحر الأحمر في وجه تهديدات من قوى الشر التي تمتد من عصابات الإرهاب والقرصنة، إلى قوى إقليمية تبحث عن مد نفوذها، إلى كيانات صغيرة وتابعة تستخدم أموال شعوبها في إثارة الفتن، وخدمة أعداء الأمة والطامعين في ثرواتها المهددين لأمنها.

الشراكة المصرية السودانية ضرورية. ليس فقط لمواجهة جماعات الإرهاب التي تعبر من ليبيا أو تأتي من حزام العنف في وسط أفريقيا، وإنما لتسهم في إنقاذ ليبيا من براثن الإرهاب، ومن محاولات التدخل الأجنبي ولإعادة الدولة هناك.

وهنا لا بد من أن تتعانق جهود تحقيق الأمن والاستقرار والتنمية في دول حوض النيل. مع جهود تتعاظم لتحقيق أمن البحر الأحمر، لقد رأينا كيف تطلق إيران تهديداتها بضرب الملاحة في باب المندب، إلى جانب مضيق هرمز. ورأينا كيف تستخدم الحوثيين لكي تهدد الملاحة في البحر الأحمر.

وفي سعي هذه القوى لإيجاد مناطق نفوذ للإضرار بمصالح الدول العربية، فإنها لا تعبأ بمصير الشعوب، ولا بمصالح الدول الشقيقة، بل تلجأ لدعم عصابات الإرهاب ولإثارة الحروب الأهلية والفتن بين الدول، لضرب الاستقرار وتهديد الأمن، كما رأينا في دعم المليشيات الإرهابية في ليبيا واليمن، وفي إثارة الانقسام والحروب بين دول حوض النيل والقرن الأفريقي.

وهنا، كان التصدي لعصابات الإرهاب والدول الداعمة لها، يرتبط بجهود المصالحة ودعم خطواتها بين دول حوض النيل من ناحية، وبين دول القرن الأفريقي من ناحية أخرى.

وكما نحتفي بالشراكة الاستراتيجية بين مصر والسعودية، وبخطوات التفاهم مع إثيوبيا لحل مشاكل مياه النيل، فلا بد من أن نحتفي أيضاً بالتطورات الإيجابية التي شهدتها دول القرن الأفريقي، والمصالحات المهمة التي تمت بين إثيوبيا وإريتريا وجيبوتي والصومال في الشهور الأخيرة، بعد جهود طويلة ومثمرة، كان لدولة الإمارات دور بارز فيها إلى جانب السعودية، وكانت الجهود التي قادها صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد في هذا الصدد، تعبيراً عن إدراك أن أمن البحر الأحمر لا ينفصل عن أمن الخليج العربي، وأن من يريدون العبث بأمن الخليج، هم أنفسهم من يريدون أن يكون لهم وجود على البحر الأحمر، حتى ولو كان الطريق إلى ذلك يمر عبر حروب يثيرونها، ودول يضربون استقرارها، وإرهاب ينشرونه لابتزاز العالم كله.

ولعل هذا هو الفارق بين فريقين: محور الشر الذي لا يريد إلا مد النفوذ أو الجري وراء أوهام إحياء إمبراطوريات سقطت أو خلافة مضى زمنها، أو البحث عن دور لكيانات صغيرة تتصور أن دعم الإرهاب والتآمر على الأشقاء سيجعلها أكبر(!!)

بينما على الجانب الآخر. من يسعون للبناء، ويريدون التنمية والرخاء والاستقرار للجميع.

هذا الوعي لا بد أن يتأكد عند الجميع، بأن أمن الخليج وبحر العرب مرتبط بأمن البحر الأحمر، وبأن استقرار دول حوض النيل لا ينفصل عن ذلك، وبأن الشراكة المصرية السودانية هي حجر الزاوية في ضمان أمن البحر الأحمر، وتحقيق الاستقرار في هذه المنطقة، ودعم السلام والأمن في القرن الأفريقي.

ولهذا، نرى من يهدد مضيق هرمز، هو نفسه من يهدد باب المندب، ومن يتآمر على الخليج العربي، هو نفسه من يمتد بتآمره إلى حوض النيل.

* كاتب صحفي مصري

Email