خطر الإعلام المسيّس

ت + ت - الحجم الطبيعي

الإعلام النزيه أداة حضارية للارتقاء بالدول والمجتمعات، ونافذة على الحقائق وفنون المعرفة والثقافة، ويقع على عاتقه مسؤوليات عدة، من نقل الحقيقة، ودحض الشائعات، وبناء الوعي، وتكريس القيم الإيجابية، والتعامل السديد مع التحديات والتطورات بما يحقق الأهداف الوطنية بأبعادها الداخلية والخارجية، والاستفادة من التقنيات والتكنولوجيات الحديثة، وتقديم المواد المقروءة والمرئية والمسموعة التي تخدم ذلك.

والإعلام كأي ميدان آخر يجب أن يحيطه سياج من القانون والأخلاق والمُثل العليا، بما يجعله أداة بناء لا هدم، وأداة حقيقة لا تزييف، ويجعله قوة ناعمة إيجابية لا أداة فوضى وتحريض وتدمير، ومتى تحلى الإعلام بهذه القيم الراقية حقق رسالته السامية، ومتى تجرد عنها انزلق إلى دهاليز مظلمة، وأصبح أداة تخريب للدول والمجتمعات، فالإعلام بحد ذاته سلاح ذو حدين، يمكن استخدامه سلباً أو إيجاباً، وله تأثيره الكبير في حياة الإنسان المعاصر، خاصة مع ظهور الإعلام الجديد المتمثل في وسائل التواصل الاجتماعي، الذي ضاعف من تأثير الإعلام وحضوره.

ومن صور الإعلام السلبي الذي ينبغي الحذر منه «الإعلام المُسيس»، الذي يخضع لأجندات سياسية مغرضة، هدفها الأكبر النيل من الآخرين، بعيداً عن أي معايير مهنية وموضوعية، مهما كانت الوسائل المتبعة في ذلك، سواء كان ذلك بفبركة الأكاذيب، أو نشر الإشاعات، أو تزييف الحقائق، أو تضليل الرأي العام، أو تشويه الآخرين وإلصاق التهم الكاذبة بهم، الغاية عند هذا النوع من الإعلام تبرر الوسيلة.

ومثل هذا الإعلام لا يهمه تقديم المحتوى النزيه للجمهور، المبني على إرساء الحقيقة، وتحري طرقها الصحيحة، وإنما هدفه تحقيق أجندات سياسية ضارة، واستقطاب الرأي العام نحو تفاسير محددة، واتجاهات معينة ورؤية ضيقة لضرب الآخرين، ولو كان ذلك على حساب القيم المهنية، والأخلاقية وعلى حساب القانون والعدالة والقيم الإنسانية.

إن قناة الجزيرة نموذج صارخ على الإعلام المسيس، الموجه للإضرار بالدول والمجتمعات، وواقعها خير شاهد على ذلك، فكم تسبب محتواها التحريضي من صدامات في المجتمعات، وتأليب الناس بعضهم على بعض، وبروز التنظيمات المتطرفة، وانتشار بؤر الصراع في الشرق الأوسط، وهي لا تزال ماضية في هذا الطريق المظلم، توجه سهامها المسمومة نحو الدول، وتوظف أدواتها لتشويهها، وتدعم أي توجهات سلبية تستهدفها من أي طرف كان.

إن الوقائع التي تُظهر خطورة الإعلام المسيس كثيرة، ومن أشهرها واقعة الصحفي جمال خاشقجي، هذه الواقعة التي كشفت للمتابعين مدى خطورة الإعلام المسيس، الذي يوظف القضايا الإنسانية، والجنائية لتحقيق مكاسب سياسية مغرضة، ومحاولة تجييش الرأي العام لتأييد قناعات معينة بغض النظر عن ارتباطها بالواقع والحقيقة، دون أدنى مبالاة بسير العدالة وفق مجراها الطبيعي، ودون انتظار لنتائج التحقيق، أو تقدير لمشاعر ذوي الفقيد، الذين ناشدوا وسائل الإعلام احترام عائلة الفقيد، وذلك عبر نشر الأخبار من المصادر الرسمية فقط، ولكن الإعلام المسيس يتجاهل هذه النداءات، ويستمر في بث التقارير المغلوطة، والسعي الحثيث لإلصاق التهم بأطراف معينة.

وفي خضم ذلك أثبتت المملكة العربية السعودية أنها دولة قانون وعدالة، عبر سلسلة من الخطوات التي اتخذتها في هذه القضية، وباشرت النيابة العامة السعودية التحقيق فيها، واستجلاء الحقائق وكشفها للرأي العام، ومحاسبة المتورطين فيها، قاطعة الطريق أمام المتربصين والمتصيدين، وهو ما لاقى إشادة واسعة من دول عدة، وفي الوقت الذي دعمت كثير من الدول العربية الإجراءات السعودية وتضامنت معها كنموذج لوحدة الصف العربي نجد الإعلام القطري المسيس يضرب كل ذلك عرض الحائط، ويغرد خارج السرب، ويستمر في مساره الشاذ، ويشكك في أي تفسير لا يوافق هواه، ولا يتماشى مع أجنداته، لأن هدفه ليس استجلاء الحقيقة ودعم العدالة، وإنما التلاعب بالرأي العام، وفرض قناعات معينة لخدمة الأجندات السياسية المغرضة لتنظيم الحمدين.

لقد أثبت تنظيم الحمدين أنه يحمل على عاتقه النيل من المملكة العربية السعودية ودول المنطقة بأي شكل كان، وهذا ليس شيئاً مفاجئاً ولا خافياً، فقد أعلن أمير قطر السابق حمد بن خليفة كما في التسجيل الصوتي المسرب المشهور عداءه السافر للمملكة، ودعمه للقنوات والشخصيات التي تهاجم السعودية، وخطته لزعزعة استقرار المملكة، كما ادعى حمد بن جاسم وزير خارجية قطر السابق أن السعودية لن تعود موجودة بعد 12 عاماً، بل ستقسم إلى دويلات، وبالتالي ما المتوقع من إعلام يخضع لمثل هذه الأجندات؟! وهل نتوقع منه سوى تزييف الحقائق وتحريف الوقائع خدمة لها؟!!

إن مثل هذه الوقائع وغيرها تحتم على العقلاء الحذر من هذا النوع من الإعلام المسيس، وعدم الإصغاء إليه، لأن غرضه ليس استجلاء الحقيقة، وإنما الصيد في الماء العكر، وترويج التفاسير المغلوطة، انتصاراً لأجندات سياسية معينة، هدفها الأول والأخير النيل من الآخرين والانتقام منهم.

 

 

Email