توطين صوري!

ت + ت - الحجم الطبيعي

على الرغم من صدور الكثير من القرارات والتوجيهات بضرورة توطين بعض القطاعات، وخصوصاً القطاع الخاص، إلا أن هناك مشكلة حقيقية تجعل مثل هذه التوجيهات تمر مرور الكرام، من دون تنفيذ فعلي لها، فبعض الشركات الخاصة، أو حتى المؤسسات الحكومية، تقوم بالاحتيال على ملف التوطين، وذلك من خلال التعاقد مع شركات خارجية تزوّدها بالموظفين للعمل لصالحها، وبهذا تخلو سجلاتها الرسمية من وجود وافدين بنسب أكثر من المواطنين، والسبب هنا، ليس رفض الكفاءات الوطنية أو عدم قدرتها على العمل في هذه القطاعات، ولكن المشكلة تكمن في الدخل أو الراتب الذي يصعب على بعض الشركات توفيره للمواطن، وأيضاً بعض المصاريف الأخرى التي تترتب على الشركات، جراء توظيفها الكفاءات المواطنة.

والمصيبة هي قيام بعض الشركات بإيجاد وظائف شكلية «نص كم» خاصة بالمواطنين، كالعمل لديهم بضع ساعات أسبوعية فقط، للتمثيل الصُّوَري أو لمجرد إدراجهم في جداول التوطين التي يقدمونها للوزارات، وهنا، يجب التنويه والتنبيه إلى أن مثل هذه الممارسات، يجب كشفها من قبل المواطنين أنفسهم، فهذا التحايل سيفقدهم خبراتهم المستقبلية، وهذه الفقاعة سرعان ما ستطفو على السطح وتنفجر، فمثل هذه الألاعيب لن تدوم طويلاً.

من الصعب تطبيق قوانين وتوجيهات، إن لم تكن منسجمة مع الوضع العام للبيئة العامة للأعمال، وأنا لا أشك في أن مسؤولينا لديهم العلم والمعرفة الكاملة بهذا الأمر، ولكن السكوت على هذا الوضع سيزيد المشكلة، وتتفاقم الحالة حتى نصل لوضع لا يمكن الوصول فيه لحل يرضى به جميع الأطراف، وخصوصاً أصحاب العلاقة القريبة، والأَولى من مسؤولينا الاجتماع برجال الأعمال وأصحاب الشركات الخاصة من المستثمرين، لتسوية هذا الملف بالطرق الصحيحة والعملية.

ملف التوطين من الملفات المهمة، والتي تشكل تحدياً كبيراً للكثير من الوزارات والمؤسسات المعنية، وحل هذا الملف يُعَد أولوية بالنسبة للمواطنين، والذين ما إن تسمع قنوات وبرامج البث المباشر، حتى تجد بعض الإشكاليات لمواطنين عاطلين عن العمل، أو أنهم يواجهون مشكلة في العمل في المؤسسات الخاصة أو شبه الحكومية، وصحيح أن هذه الفئة هم قلة قليلة، لكن بسبب المشاكل التي تواجه تطبيق ملف التوطين في القطاع الخاص، أوجد لنا حالة من العزوف لدى المواطنين عن العمل لدى الكثير من القطاعات، وبهذا انحصرت كفاءاتهم داخل العمل الحكومي، وهذا ما سيشكل لنا مشكلة كبيرة مستقبلاً، خصوصاً عند التحوّل الرقمي للخدمات الحكومية.

الجميع يعلم أنه كلما زادت رقعة الخدمات الحكومية الذكية، قلّ عدد الشاغلين لها من القطاع البشري، وصحيح أن هذا التحول سيخلق المزيد من الفرص، ولكن في قطاعات مغايرة للعمل الحكومي، ولهذا يجب أن تتشكل كفاءات وخبرات أبناء الوطن، لتجد ما تشغله مستقبلاً، ونتجنّب مشاكل أكثر تعقيداً.

ملف التوطين يحتاج لقرارات حازمة، تجبر الشركات الخاصة وشبه الحكومية من توظيف المواطنين، وهذا لن يحصل إلا إذا قدمت الدولة بعض التسهيلات بالنسبة لعقود العمل الخاصة بالمواطنين وشروطها وضماناتها واشتراكاتها المترتبة عليها، وأيضاً تحتاج لذات القرارات الحازمة لتغيير الفكر السائد لدى المواطنين، أن مكانهم الوحيد هو المؤسسات الحكومية، وإيجاد آليات تغيير هذا المفهوم، كحث الجامعات بوجوب إبرامها لاتفاقيات تدريب للمواطنين داخل المؤسسات والشركات الخاصة، ما يجعل أبناءنا الخريجين يكتسبون تجربة حقيقية، تسهم في تغيير فكرهم السائد.

يجب توطين القطاعات وتحقيق الرؤية التي ترمي لها قيادتنا، بأن تجد المواطن في جميع القطاعات، بما فيها القطاعات الخدمية والطبية والصناعية والتجارية والمالية وقطاع الضيافة، وحتى القطاعات العمالية الحرفية، فهذا هو وطننا، وخير من يعبّر عن ثقافته هم أبناء الوطن، ونحن على مقربة من الحدث العالمي «إكسبو 2020»، وخير من يمثلنا هم أبناؤنا، والذي تشرّبوا عاداتنا وتقاليدنا، وكفاءاتهم تسمح لهم أن يمثلوا الإمارات خير تمثيل، ونحن على ثقة أنهم يمتلكون من مقومات تجعلنا نتفاخر بهم، ويتشرف الوطن بإسهاماتهم، ويتشرفون هم بخدمة بلادنا، وهذا ما جاء في كلمة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، حينما وجّه بوجوب عمل المواطنين خلال معرض إكسبو، ليكونوا خير من يمثلون الإمارات، وينقلون عاداتها للزوار القادمين.

الطرق كثيرة، والفرص أكثر وأكثر، ومراجعة هذا الملف مراجعة استقصائية تحليلية، هو كل ما يتطلبه الأمر، وأن نضع يدنا على الجرح، لا أن نداريه أو نتوارى خلفه بالشعارات الزائفة، بل بالتعايش مع الواقع تعايشاً حقيقياً منطقياً عملياً واقعياً، وذلك لنتمكن من إيجاد الحلول المناسبة في أسرع وقت ممكن، فالتحديات التي تنتظرنا عديدة، والطموحات التي نتطلع لها أكثر بكثير، والاستعداد لها وتنشئة أجيالنا لمواصلتها هو كل ما نحتاجه للمرحلة المقبلة.

ولنلخص الحكاية، أننا أمام مشكلة توطين صُوَري أو «نص كم»، وما يترتب عليه من مشاكل، ومشكلة التوطين دوت. كوم، والتي تمثل الشعارات البالية التي سرعان ما تنتهي، ولا يستفاد منها إلا ضجة إعلامية، وأخبار صحافية وهاشتاغات تويترية.

 

 

Email