العلاقات المصرية الروسية

ت + ت - الحجم الطبيعي

حرص الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي منذ بداية توليه السلطة على إيجاد علاقات متوازنة مع أقطاب القوى الدولية الكبرى، خاصة الولايات المتحدة الأميركية وروسيا بعيداً عن تجارب الانحياز لهذه الدولة أو تلك.

في نهاية شهر سبتمبر الماضي كان الرئيس السيسي في الولايات المتحدة الأميركية في واحدة من أنجح الزيارات التي قام بها إلى هناك، صحيح أنها كانت زيارة هدفها حضور اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، إلا أنها شهدت لقاءات شديدة الأهمية بالرئيس الأميركي دونالد ترامب في إطار اللقاءات المتعددة التي جمعت الرئيسين، بالإضافة إلى اللقاءات الأخرى مع مجالس الأعمال المصرية ـ الأميركية، والعديد من المسؤولين والدبلوماسيين ورجال المال والأعمال هناك.

عودة الدفء إلى العلاقات المصرية ـ الأميركية بعد فترة من الجمود ليس معناه العودة مرة أخرى إلى فخ الاستقطاب والانحياز في العلاقات مع القطبين الأميركي، والروسي، فقوة العلاقات مع إحداهما لا تعني إهمال القطب الآخر.

مصر الآن لها علاقات شديدة التميز مع كل من أميركا، وروسيا، وهذه أكبر شهادة نجاح للدبلوماسية المصرية خلال الفترة الأخيرة، لأنها نجحت في معالجة العوار الذي أصاب الدبلوماسية المصرية خلال عقود طويلة بالانحياز مرة إلى الاتحاد السوفيتي وأخرى إلى الولايات المتحدة الأميركية.

مصر الآن تملك قرارها وتتمتع بعلاقات قوية ومستقرة مع كل الأقطاب الدولية. خلال الفترة الماضية نجحت مصر في توقيع العديد من الاتفاقيات لتزويد الجيش المصري بالمعدات العسكرية الروسية ومنها سفينة الصواريخ «أر ـ 32» وشراء 50 مقاتلة روسية من طراز ميغ 35 المتطورة متعددة المهام القتالية، وإلى جوار ذلك فقد تم توقيع عقد لتوريد 50 مروحية حربية من طراز «كا ـ 52» أو التمساح.

كما أعلن الجيش الروسي انه بصدد توقيع اتفاقية لتزويد الجيش المصري بما يقرب من 500 دبابة من نوع «ش ـ 9» تمهيداً لتجميع الدبابة محلياً في مصر، هذا بالإضافة إلى العديد من الصفقات العسكرية اللازمة لسلاح الدفاع الجوي، في إطار حرص مصر على تنويع مصادر السلاح وتزويد الجيش المصري بأحدث الأسلحة والمعدات في العالم بغض النظر عن الدولة المنتجة سواء كانت أميركا أم روسيا أم غيرهما.

التعاون المصري الروسي لا يقتصر على مجال التسليح فقط لكنه يمتد إلى التعاون الاقتصادي حيث وصل حجم التبادل التجاري بين الدولتين في العام الماضي إلى حوالي 6,7 مليارات دولار، وبلغ عدد المشروعات التي تم إنشاؤها باستثمارات روسية في مصر 363 مشروعاً بإجمالي رأس مال حوالي 1487 مليون دولار يتركز معظمها في قطاع السياحة والخدمات.

وتصدرت مصر قائمة البلدان التي زارها السياح الروس حتى عام 2014، وبلغت نسبة السياحة الروسية في المدن الشاطئية حوالي 65% من تعداد الحركة السياحية الوافدة إلى مصر، إلا أن الأعداد تراجعت في أعقاب حادث تحطم الطائرة الروسية في سيناء، ووقف حركة الطيران، مما يستدعي ضرورة إنهاء تلك المشكلة من الجانب الروسي، خاصة مع تطبيق سلطات الطيران المدني المصري لكل الضوابط الأمنية، والالتزام بالمعايير الدولية في السلامة والأمن.

على الجانب الآخر فإن مشروع إنشاء المفاعل النووي في الضبعة يعتبر من أهم المحطات في العلاقات المصرية ـ الروسية في الفترة الأخيرة مما يفتح الباب واسعاً أمام توسيع التعاون بين البلدين خلال المرحلة المقبلة في الكثير من المجالات خاصة فيما يتعلق بالطاقة النووية، وإنشاء المناطق الصناعية الروسية في شرق قناة السويس، إلى جانب العديد من المشروعات المتنوعة بين الدولتين.

أعتقد أن زيارة الرئيس لموسكو غداً، والقمة الروسية المصرية في سوتشي، سوف يكون لها مردود إيجابي قوي على العلاقات المصرية ـ الروسية خلال المرحلة المقبلة لمواجهة التحديات الخطيرة المتعلقة بمكافحة الإرهاب، أو تلك المتعلقة بالمصالح الاقتصادية المشتركة، وتبادل الدعم السياسي على المستويين الإقليمي والدولي، بما ينعكس ايجابياً على كليهما وعلى كل دول منطقة الشرق الأوسط، والمساهمة في خلق عالم جديد متعدد الأقطاب بعيداً عن التشرذم ولغة الاستقطاب.

* رئيس مجلس إدارة الأهرام

Email