مكانة أميركا الدولية

ت + ت - الحجم الطبيعي

بمجرد نشر مركز «بيو» الأميركي للأبحاث أن حوالي 70% في 25 دولة في العالم باتوا لا يثقون في الرئيس الأميركي الحالي دونالد ترامب، قفز إلى ذهني سؤال ينبغي التفكير والإجابة عنه وهو: هل مكانة الولايات المتحدة الدولية بدأت تسجل تراجعاً؟! خاصة بعد الصدى الإعلامي العالمي الذي رافق النتيجة بأنها شهادة بصعود السياسة الخارجية الصينية والروسية لتحل مكان الولايات المتحدة.

بداية إن المتشككين بالدور الأميركي العالمي وتراجع دورها على الساحة الدولية وجدوا في الاستطلاع ما يقنعهم بأن إدارة الرئيس الأميركي ترامب تسير نحو إفساح المجال للمنافسين، وتناسوا أيضاً في ظل حالة الفوضى الحالية بأن تلك التحليلات الناتجة من الاستطلاع وقبلها أيضاً فيها من المبالغة الكثير على اعتبار أن السياسة الأميركية ليست رغبة الرئيس أو سلوكه، حتى وإن ظهرت بعض التصرفات التي تصدم الرأي العام العالمي بما فيها الانسحاب من الاتفاقيات الدولية والضغط على الحلفاء التقليديين.

الدلائل والبراهين كثيرة على تغير مكانة الولايات المتحدة في السياسة الدولية خلال الفترة الماضية عما كانت عليه ما قبل عقد تقريباً، حتى شاعت في التحليلات السياسية بما فيها الأميركية ومنهم أشهر وزير خارجية مر على الولايات المتحدة الأميركية هنري كيسنجر الذي توقع نهاية العصر الأميركي في كتابه «النظام الدولي»، ربما هناك منطق في هذا الطرح عندما نجد التحركات الصينية والروسية في العالم، وكل واحد لديه مشروعاته لم يكن يتجرأ على طرحها في السابق.

هناك مؤثرون كثيرون وفي اللحظة المناسبة لن يكون الرئيس ترامب أو غيره هو صاحب القرار النهائي في السياسة الخارجية وفي مكانة الولايات المتحدة الدولية، لهذا ينبغي عدم التسرع في قراءة النتيجة بطريقة غير صحيحة والاستباق نحو الجزم في تغيير قواعد اللعبة الدولية، فهناك كوابح لمغامراته لا يمكن تجاوزها.

كلنا يعرف أن مكانة الولايات المتحدة وتأثيرها في الساحة الدولية موضوع أثير من أيام إدارة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، خاصة بعد الانسحابات في ملفات إقليمية ولكن مع إدارة الرئيس دونالد ترامب فإن الموضوع أصبح أكثر إلحاحاً في الإعلام - إنه كان يعتقد أن الأمر سيكون مختلفاً - خاصة بعدما ظهرت بوادر صعود الصين وبروز روسيا في ملفات إقليمية كانت حكراً على أميركا، وغيرها من السياسات لها علاقة بمكانة واشنطن الدولية، ما أعطى انطباعاً بأن السياسة الأميركية خلال الإدارتين تعاني الانكفاء والتركيز على الداخل حتى اعتقد البعض أن الولايات المتحدة لم تعد تمثل قوة عظمى بقدر أنها كدولة كبيرة عاجزة عن إدارة السياسة العالمية، ما يفتح الباب أمام احتمال بروز قوى جديدة بعضها إقليمية.

من المبكر قبول تفسيرات البعض لما حملته نتائج الاستطلاع عن تراجع مكانة الولايات المتحدة الأميركية، لأن التقييم على الثقة في إدارة الرئيس دونالد ترامب وليس السياسة الخارجية الأميركية التي تصنعها مؤسسات تقليدية، لهذا فإن الانتخابات النصفية المتوقعة خلال نوفمبر القادم كفيلة لأن تظهر مدى اقتناع الرأي العام الأميركي بما تقوم به إدارة ترامب، حيث من غير المستبعد أن يعاد صياغة العديد من المواقف الأميركية التي أدت لأن يكون الرئيس الأميركي في موقف الضحك عليه في أكبر تجمع سياسي عالمي «الجمعية العامة للأمم المتحدة»، أخيراً.

هناك هامش كبير لتحرك بعض الدول على الساحة الدولية، خاصة من منافسي الولايات المتحدة الصين وروسيا، ولكن أعتقد أن الدولتين تدركان أن تحركهم الآن ما زال محدوداً لأن النظام العالمي لم يتشكل بعد حتى لو كانت خطوات الصين سريعة في التحرك، فالوضع الأميركي الحالي وضع خاص حتى لو تم إعادة انتخاب ترامب لدورة ثانية، لأن النموذج الأميركي العالمي في السياسة وغيرها لا يزال سائداً ولفترة غير منظورة.

نتيجة الاستطلاع لا تعني أن العالم لم يعد محباً للقوة الأميركية، أو غير معترف بها، أو أنه يقلل منها، أو أن الرأي العام العالمي لم يعد يهوى الثقافة الأميركية، والدليل أن هناك مناورات عسكرية لحلف الناتو تشارك فيها 29 دولة خلال هذا الشهر، تحمل رسالة سياسية وعسكرية لكل من يفكر خارج الإطار الدولي القائم!

 

 

 

Email