زايد.. «أكتوبر 73»

ت + ت - الحجم الطبيعي

التاريخ ينحاز دائماً إلى حكيم العرب.. كلما حلت ذكرى انتصار أكتوبر 1973، يفرد التاريخ صفحات ناصعة سجلها المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان عندما أعلن من اللحظة الأولى موقفه، وضع كل إمكانات دولة الإمارات العربية المتحدة في خدمة معركة السادس من أكتوبر.

حكيم العرب دخل قلوب المصريين وتربع على عرش العروبة، فقد كانت مواقفه أحد العوامل الأساسية التي أدت إلى انتصار الأمة العربية، فقد كان موقفه واضحاً أمام العالم، وعند بدء الحرب كان في زيارة للعاصمة البريطانية لندن، وعقد بها مؤتمراً صحافياً قبل عودته إلى أبوظبي أكد فيه دعم بلاده لمصر، ووقوفه إلى جانبها بكل وضوح وحسم.

وقال الشيخ زايد في ذلك المؤتمر كلمته الشهيرة «سنقف مع المقاتلين في مصر وسوريا بكل ما نملك»، ويشهد التاريخ أن الشيخ زايد كان أول حاكم عربي يعلن تبرع بلاده بمبلغ 100 مليون جنيه استرليني لصالح المعارك، في ثالث أيام المعركة، وقرر مؤسس دولة الإمارات دعم المعركة القومية حتى آخر فلس في خزينته.

وهنا واجب التأكيد على ما قاله مدير ديوان رئيس الدولة في تلك الفترة: «أثناء اجتماع وزراء الخارجية العرب في الكويت عام 1973 سألني الشيخ زايد، ماذا كانت نتائج المؤتمر؟! فأجبته: قرروا تخفيض إنتاج البترول 5% فقط، فاكفهر وجهه، وطلب مني أن أتصل بوزير البترول الإماراتي الدكتور مانع العتيبة، وقمت بتوصيله تليفونياً مع الوزير وسمعته يأمره بعقد مؤتمر صحافي فوراً، يعلن فيه أن دولة الإمارات العربية المتحدة تقطع البترول بالكامل عن الولايات المتحدة الأميركية، والدول الغربية التي تساند إسرائيل، ثم قال مقولته الشهيرة: «ليس النفط العربي بأغلى من الدم العربي»، وبعد الإعلان عن هذا القرار توالت قرارات الدول العربية، وهنا أذكر أنه في مؤتمر قمة دول الأوبك في الجزائر عام 1975، وفي كلمة الافتتاح، أشاد الرئيس بومدين بموقف الشيخ زايد البطولي بقطع البترول، وكان ذلك بحضور الرؤساء والملوك.

كما أنه طوال أيام حرب أكتوبر 1973 كان الشيخ زايد، رحمه الله، يتابع تطوراتها أولاً بأول، واتصل ثاني أيام الحرب بالرئيس المصري أنور السادات والسوري حافظ الأسد وأكد لهما أن إمكانات دولة الإمارات كلها مُسخّرة في سبيل خدمة المعركة.

وكان دوماً يقول خلال اللقاءات مع القادة العرب: «عندما تبدأ المعركة مع إسرائيل، فسوف نغلق على الفور صنابير البترول، ولن نكون بعيدين عن أشقائنا أبداً».

وها هي مواقفه البطولية تصارع الذاكرة في الفخر بها أمام العرب، فعندما سئل الشيخ زايد في ذلك الوقت من أحد الصحافيين الأجانب: ألا تخاف على عرشك من الدول الكبرى؟ لم يتردد العروبي الأصيل في أن يقول «إن أكثر شيء يخاف عليه الإنسان هو روحه، وأنا لا أخاف على حياتي، وسأضحي بكل شيء في سبيل القضية العربية، إنني رجل مؤمن، والمؤمن لا يخاف إلا الله».

الشيخ زايد، رحمه الله، كان يحمل بداخله الهم الوطني العروبي ويوظف كل المواقف لمصلحة العروبة فقد ربط بين هذه المعركة وبين مستقبل الوطن ومصيره، فلم يشغله سوى الانتصار وفقط، فالشيء الوحيد الذي كان في اعتباره هو أن لحظة المصير التي يمر بها الوطن العربي تتطلب عطاءً بلا حساب.

كانت له مقولة يؤمن بها تماماً، ونحن العرب في أمس الحاجة إليها الآن: «إن الوحدة العربية التي تعتبر دولة الإمارات نواتها، ليست حلماً أو ضرباً من الخيال، ويمكن لهذه الأمة تحقيقها إذا صدقت النوايا وتفاعلت الأماني بالعمل».

* رئيس تحرير مجلة الأهرام العربي

Email