ليالي الأنس في فيينا

ت + ت - الحجم الطبيعي

لم تكد ضجة رقصتها مع الرئيس الروسي بوتين تهدأ حتى فاجأت وزيرة خارجية النمسا كارين كنايسل العالم باستهلال كلمتها في الأمم المتحدة باللغة العربية، وذلك في سابقة تاريخية للعربية وللأمم المتحدة على حد سواء.

في طريقها إلى المنصة وجهت كارين التحية لرئاسة الجلسة بقولها «مرحبا» ثم بدأت كلمتها قائلة باللغة العربية: «إن البشرية لديها صوت أمام الجمعية العامة وتحتاج أن تستخدمه للتعبير عن أولئك الموجودين خارج القاعة وغارقين في خضم الحروب والصراعات». بعد ذلك انتقلت كنايسل للحديث باللغة الفرنسية ثم الإسبانية والإنجليزية، وشكرت المترجمين «على صبرهم وكياستهم».

بهذا الخليط الإنساني من اللغات تناولت الوزيرة النمساوية العديد من القضايا العالمية، بما فيها الاحتباس الحراري والمساواة بين الجنسين ومستقبل الاتفاق النووي الإيراني وكيفية التحرك من «وضع عسكري إلى انتقال دبلوماسي في سوريا». ما يهمنا وما يطربنا هنا أن تكون لغتنا العربية الجميلة على لسان وزيرة أوروبية في أكبر تجمع أممي. لكن أين تعلمت الوزيرة كارين اللغة العربية ولماذا أحبتها؟

لقد عاشت كارين جانبا من طفولتها في الأردن، حيث كان والدها لفترة الطيار الخاص للملك الراحل الحسين بن طلال. وأسهم بعد ذلك في تأسيس الخطوط الملكية الأردنية. ولأن ما نعيشه في طفولتنا لا ننساه، بل ويشكل جانبا أساسيا من شخصيتنا، فربما علقت رائحة اللغة العربية في ذائقة كارين.

رسمياً قالت إنها تعلمتها في مركز الأمم المتحدة في العاصمة فيينا لأن اللغة العربية واحدة من ست لغات تعترف بها الأمم المتحدة.

تتحدث وزيرة الخارجية النمساوية فضلاً عن الألمانية -لغتها الأم- سبع لغات أخرى، وقبل قرابة العام اختارها حزب الحرية اليميني وزيرة للخارجية في الحكومة التي يشارك فيها مع حزب الشعب المسيحي المحافظ، وهي محل انتقاد بسبب مواقفها من المهاجرين.

في أغسطس آب الماضي، أثار زواج كنايسل انتقادات حادة بسبب الرقصة التي قامت بها مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، والانحناء الذي قامت به أمامه. ورفضت كنايسل الانتقادات الحادة التي وجهت لها بسبب الرقصة، وقالت كنايسل (53 عاماً) في مقابلة مع راديو هيئة الإذاعة النمساوية «جرى تفسير ذلك على أنه تصرف يدل على الخضوع. لكن من يعرفونني يعلمون أنني لا أخضع لأحد». وأضافت إن مثل تلك الانحناءة هي تحية تقليدية في نهاية الرقصة وأن بوتين انحنى لها أولاً. وظهرت الوزيرة في صور عدة مرتدية فستاناً أبيض طويلاً وتتحدث مع بوتين وتبتسم له أثناء رقصهما في حين كان يصغي إليها باهتمام.

يبدو أن ثمة علاقة ما بين العربية والألمانية فقد اعجب عدد من الكتاب والمفكرين الألمان خاصة والأوروبيين عامة بلغتنا العربية.

الكاتبة الألمانية «سيجريد هونكه» قالت: كيف يستطيع الإنسان أن يقاوم جمال هذه اللغة ومنطقها السليم وسحرها الفريد؟! فجيران العرب أنفسهم في البلدان التي فتحوها سقطوا صرعى سحر تلك اللغة. أما «يوهان فك» فقد قال: برهن جبروت التراث العربي الخالد على أنه أقوى من كل محاولة يقصد بها زحزحة العربية الفصحى عن مقامها المسيطر. وقالت «أوجست فيشر»: «إذا استثنينا الصين فلا يوجد شعب آخر يحق له الفخر بوفرة كتب علوم لغته غير العرب».

ايضاً الألماني «كارل بروكلمان» قال: «بلغت العربية بفضل القرآن من الاتساع مدى لا تكاد تعرفه أية لغة أخرى من لغات الدنيا»، وقال الفرنسي «إرنست رينان»: «من أغرب ما وقع في تاريخ البشر انتشار اللغة العربية فلم تكن معروفة عالميا ثم بدأت فجأة في غاية الكمال سلسة غنية كاملة، فليس لها طفولة ولا شيخوخة، تلك اللغة التي فاقت أخواتها بكثرة مفرداتها ودقة معانيها وحسن نظام مبانيها».

حسناً إن لنا في فيينا من يحب لغتنا، ونحن نحب مع اسمهان «ليالي الأنس في فيينا»!

 كاتب أردني

Email