نظام عالمي أمام مفترق طرق

ت + ت - الحجم الطبيعي

حضور زعماء دول العالم المميز لافتتاح الدورة الحالية لاجتماعات الأمم المتحدة قد يكون ناتجاً عن إحساس بالمخاطر التي تهدد العالم، أو بحثاً عن حلول لمشاكل تزداد تعقيداً، أو تمسكاً بالأمل في غد أفضل. لكن المشهد كله كان تعبيراً عن نظام عالمي في مفترق طرق بعد أن ظل صامداً للتحديات طوال ثلاثة أرباع القرن!!

النظام العالمي الذي قادته الولايات المتحدة الأميركية منذ الحرب العالمية الأولى استطاع ـ رغم كل شئ ـ تجنيب العالم ويلات حرب عالمية ثالثة لا يمكن تقدير فداحة خسائرها،وفي نفس الوقت كان العقلاء يتجاوزون نشوة النصر في الحرب الباردة، لكي يقولوا إن انفراد أميركا بالزعامة والسطوة لن يستمر طويلاً،ومضت السنوات وتوحدت أوروبا، وعادت روسيا بعد السقوط، وصعد المارد الصيني ليسارع على المقدمة، وتغيرت الموازين في العالم اقتصادياً وسياسياً وعسكرياً.

لنصل إلى المشهد الذي رأيناه يتجسد مع افتتاح الدورة الجديدة للأمم المتحدة التي تجمعت فيها كل المفارقات لتقول إننا أمام نظام عالمي وصل إلى مفترق الطرق. وأن ما عايشناه منذ الحرب العالمية ينتهي، وأن الصراع على النظام المقبل لم يحسم، وأن على من يريد أن يكون له مكان فيه أن يعمل على ذلك!!

رئاسة الدورة الحالية هي للولايات المتحدة الأميركية، ولعلها مصادفة أن تكون الدولة التي قادت العالم منذ نشأة الأمم المتحدة هي التي تقود الدورة الجديدة التي قد تكون حاسمة في حياة النظام العالمي بصورته الحالية.

جاء الرئيس ترامب ليتحدث عن إنجازات عامين من حكمه. وربما ليحث الآخرين على أن يفكروا في أن وراء هذه «الإنجازات» رؤية لا تؤمن إلا بأن «أميركا أولاً» وأن يتذكروا أن الدولة الأقوى في العالم قد تغيرت نظرتها لصيغة التعاون الدولي بصورتها الحالية، ومن هنا كانت قرارات إدارة ترامب بالانسحاب من المجلس القومي لحقوق الإنسان ومن منظمة اليونسكو، ومن اتفاقية باريس للمناخ ومن هنا كان التفكير في الانسحاب من الناتو، والتهديد بنسف اتفاقية التجارة الحرة ومن هنا كانت النظرة السلبية للأمم المتحدة نفسها وعدم الاكتراث بقراراتها.

وربما كان جيداً أن غاب زعماء روسيا والصين عن الاجتماعات حتى لا تبرز الانقسامات والخلافات بين الدول الكبرى وتزيد من الأزمات بينها وإن كان ذلك لم يمنع من بروز التباين الحاد بين الولايات المتحدة وأوروبا، حتى بدا الرئيس الفرنسي ماكرون والرئيس الأميركي ترامب وكأنهما على طرفي نقيض. وتأكد للجميع أن الأوضاع في قمة العالم تزداد تعقيداً وأن أزمة النظام العالمي لن تحل بسهولة، وأن أمام العالم سنوات صعبة نرجو أن تكون قليلة، وأن تكون تكلفتها على الإنسانية ليست باهظة.

المشهد يقول إننا في فترة يعتمد فيها كل طرف على قوته الذاتية، وعلى قدرته في تنمية عناصر هذه القوة، وعلى نجاحه في إقامة تحالفاته الداخلية والإقليمية والدولية. والأهم أن يملك الرؤية ويحدد أهدافه وطرق تحقيقها، وأن يعرف مكان الخطر ويقضي عليه.

ولعلنا هنا نقف بالتقدير أمام الخطوات الشجاعة التي اتخذناها لكي نخرج من زمن الغياب العربي، ولكي نقاوم مخطط الفوضى والدمار الذي كان مخططاً له أن يجتاح كله الدول العربية، والذي بدأت هزيمته مع سقوط حكم الإخوان في مصر وضرب مخططاتهم في دول الخليج، وإقامة النواة الصلبة بتحالف دول السعودية ومصر والإمارات والبحرين التي امتلكت شجاعة القرار بالوقوف ضد الإرهاب، وضد مخططات تقسيم الدول العربية وإخضاعها للنفوذ الأجنبي ولأحلام القوى الإقليمية في إشعال الفتن المذهبية والطائفية واتخاذها سبيلاً لتحقيق أوهام استعادة خلافة عثمانية أو إمبراطورية فارسية!!

ولا طريق أمامنا للحفاظ على أمن واستقرار دولنا، إلا بالاستمرار في بناء قوتنا الذاتية، والحفاظ على تحالفنا القوي، واستثمار ما بنيناه من علاقات دولية تؤازر حقوقنا المشروعة، العالم كله يدرك الآن ضرورة إرغام إيران على التخلي عن مخططاتها لمد النفوذ في الدول العربية ولإثارة الفوضى، والفتن الطائفية والمذهبية.

والعالم كله يدرك أن ضرب إرهاب الإخوان والدواعش لن يتم إلا بضرب كل داعمي هذا الإرهاب وفي المقدمة تركيا وقطر، والعالم كله يدرك أن استعادة حقوق شعب فلسطين وإقامة دولته المستقلة على حدود 67 وعاصمتها القدس العربية، هو سبيل الاستقرار في المنطقة. حتى ولو أغضب ذلك إسرائيل، وأجهض مخططات الإخوان وقطر «ومن يرعون مخططاتهم من القوى الإقليمية والدولية» لإقامة إمارة إسلامية في غزة.. لها ميناء في قبرص ومطار في إسرائيل ورعاة في الدوحة وأنقرة!!

القراءة الصحيحة للواقع، والفهم الصحيح للتاريخ، هما ما مكنا التحالف العربي من مساندة شعب مصر وهو يسقط حكم الإخوان، وهما ما أوقف التمدد الإيراني في اليمن، تمهيداً لاختراق دول الخليج، وهما ما جعل دول التحالف تقف في وجه كل محاولات زرع الفوضى وإشعال حروب الطوائف وضرب الاستقرار في ظل أصعب الظروف وفي مواجهة أعتى الضغوط.

القراءة الصحيحة للواقع، والفهم الصحيح للتاريخ، سيرغمان العالم كله على أن يقف معنا ضد الإرهاب الإخواني الداعشي، وضد محاولات إيران لمد النفوذ وتصدير الفوضى، أو محاولات تصفية القضية الفلسطينية.

 

 

Email