إيران.. وصدمة المستقبل

ت + ت - الحجم الطبيعي

لقد اهتم عدد مقدر من العلماء والمفكرين، بدراسة:«التغيير أوالتغير الاجتماعي»، ومن بينهم «الفن توفلر»، فهو يرى أن المجتمعات الغربية تجتاحها موجات التغيير بتردد متفاقم وسرعة متزايدة، منذ بداية الثورة الصناعية التي جلبت معها غرائب الأشياء، ابتداءً من أطفال في العاشرة لا يبدون كأطفال، ورجال في الخمسين يبدون كأطفال في الثانية عشرة.

وأن الكثير الذي يبدو أمامنا مستعصياً على الإدراك، سيبدو أقل غموضاً إذا ما نظرنا إلى معدل التغيير المتسارع الذي جعل تيار التغيير يبدو أحياناً كالخيال، وهو لا يقرع أبواب مجتمعاتنا، بل يندس ويتغلغل داخل بيوتنا وحياتنا الشخصية، ويرغمنا أن نلعب أدواراً جديدة، وينذر بخطر مرض نفسي جديد هو «صدمة المستقبل»، وهي غير «صدمة الثقافة»، لأن الأخيرة تحدث لمن يجد نفسه في مكان حيث كلمة «لا» تعني نعم!

وهي حالة استثنائية دون شك. أما«صدمة المستقبل»: فهي ظاهرة كونية زمنية من نتاج المعدل مطرد السرعة للتغيير في المجتمع، وهي لا محالة تنشأ من عملية التركيب لثقافة تقليدية قديمة فوق ثقافة جديدة ومعاصرة، إنها أزمة ثقافة فرد في داخل مجتمعه.

إن الشواهد أمام أعيننا تنبئنا أن الثورة العلمية التي جلبت معها قفزة إلى تكنولوجيا المواصلات والاتصالات الرقمية، حولت عالمنا بتراكم الاختراعات إلى قرية كونية، وعند «توفلر» أن التغيير امتد إلى كل شيء. لقد مس الحياة المادية.

كما لمس حياتنا الثقافية وشبكة علاقاتنا الاجتماعية والأسرية، ثم لحق بأفكارنا وهز معتقدات وقناعات معظم أفراد المجتمع، أي مجتمع، لدرجة أن سرعة التغيير بلغت حداً نستطيع أن نقول معه إن الإنسان في عالمنا الذي نعيش فيه الآن، يصبح كل يوم ليجد نفسه أمام عالم غير الذي نام عنه بالأمس. وحتى لا يصاب بالاكتئاب، عليه أن يجاهد ليتكيف ويعيد ترتيب حياته مع نمط لتيار حياة لا يتوقف عن الجريان.

ويفاجئنا هكذا، ومن دون إذن أو ترخيص، بما يمكن أو لا يمكن توقع حدوثه؟!، وها هي شبكات التواصل الاجتماعي صارت:«أدوات تغيير» يرتعد منها الطغاة في الأحداث الجارية في عالمنا، ومثال على ذلك:

ما يحدث في إيران من رقابة عقابية قمعية مرعبة على مستخدمي شبكة التواصل الاجتماعي..!لماذا؟ لأن ما تتعرض له إيران على وجه الخصوص منذ عشرات السنين من قمع وتنكيل واعتقالات بصورة مستديمة لا يصدقه عقل؟! حيث أن نظام الملالي أعدم الكثير من شباب الحركات المناهضة والمطالبة بالتحرر من قيوده وغطرسته وبما تقوم به سلطاته القمعية الإرهابية، كما تعبث الآن في سوريا واليمن والعراق بتغيير ديمغرافي متعمد؟!.

أما الواقع الآخر للمجتمع الإيراني الآن. فهناك الملايين من العاطلين والمطرودين من العمل، وعجز من قبل الحكومة عن تسديد استحقاقات الكثير من العمال والموظفين في مختلف القطاعات، كما أن هناك 80 % من الشعب الإيراني البالغ 80 مليون نسمة، يرزحون تحت خط الفقر، وهو ما يترتب على ذلك من آثار وظواهر سلبية، مثل بيع الكلى والرضع، وظاهرة المبيت في المقابر، وغيرها من آثار الوضع الاقتصادي المتردي، الناتج عن حكم ديكتاتوري قمعي بامتياز...

وزير الصحة لدى النظام الإيراني، أقر في تصريح حديث له، واعترف بأنه في الوقت الحالي هنالك 30 % من الشعب الإيراني جائعون، لا يجدون خبزاً لسد رمقهم، والشعب الإيراني يعبّر بأوضح الهتافات والشعارات، وأمام أعين قوات القمع، ويردد شعار «اترك سوريا. فكر بحالنا»، هذه هي حقيقة موقف الشعب الإيراني المقهور والمحروم من خيرات وطنه، وتدخل نظامه في بلدان المنطقة. وخاصة:«سوريا.

العراق. اليمن. لبنان» إذن: دون أدنى شك إيران تعيش أزمة داخلية مستعصية ومصائبها من داخلها وليس لأحد دخل فيها كما تتخبط وتتوعد وترسل اتهاماتها وتهديداتها تارة يمينا وتارة شمالا!؟ قبل البدء في أي تحقيقات مسبقة؟!مع العلم أن الأربعة المنفذين «لعملية الأهواز» قتلوا جميعا في وقت الحادث قبل اتهاماتها المزعومة للغرب ودول الخليج؟!إيران الآن تتعايش وتكتوي بالنيران التي أشعلت فتيلها في المنطقة بالخراب والفتن الطائفية بواسطة وكلائها في سوريا واليمن والعراق ولبنان.

إذن «صدمة المستقبل» كما يراها: «توفلر» أن تيار التغيير قادم لا محالة، كاسراً بذلك خط الفصل التقليدي بين الأمس واليوم والغد، بل وبين الحاضر والمستقبل، والغافل من يظن أن الأشياء دائماً هي الأشياء ذاتها؛ فهل يا ترى يعتبر قادة إيران ويراجعون حساباتهم مع شعبهم ويغيرون نهجهم وسلوكهم مع جيرانهم قبل فوات الأوان و"صدمة المستقبل"؟ هذا ما نطالب به دوماً. فهل من مستجيب؟

Email