قمة الكوريتين وغياب التنسيق بين الحلفاء

ت + ت - الحجم الطبيعي

رغم ما تحقق في قمة الكوريتين، إلا أن تلك القمة كشفت بوضوح أنه لا توجد استراتيجية واحدة تتبعها كوريا الجنوبية وحلفاؤها، ولا توجد حتى استراتيجية واضحة لواشنطن في المسألة الكورية.

فلقاء القمة الذي جمع زعيمي الكوريتين، واستمر ثلاثة أيام، أسفر عن الاتفاق بينهما بخصوص حزمة من الملفات، لعل أهمها إيجاد لجنة عسكرية مشتركة بين الكوريتين لنزع فتيل التوترات قبل حدوثها، ومن بينها تفكيك كوريا الشمالية لموقع لاختبارات الصواريخ.

كما تم الاتفاق على إنشاء سكك حديدية وفتح الحدود للسياحة بين البلدين، فضلاً عن عزم الكوريتين على التقدم معاً للمنافسة على استضافة الأولمبياد عام 2032.

وقال الزعيمان الكوريان في مؤتمرهما الصحافي المشترك إنهما اتفقا على تحويل شبه الجزيرة الكورية إلى «أرض للسلام دون سلاح نووي ودون تهديدات نووية»، دون الإفصاح عن كيفية تحقيق ذلك الهدف.

أما قضية نزع سلاح كوريا الشمالية النووي، فلم تأت الاتفاقات على ذكره إلا في إطار الإعلان عن استعداد كوريا الشمالية للإغلاق الدائم لأحد مواقعها النووية وبحضور مراقبين دوليين حال قامت الولايات المتحدة «باتخاذ خطوات تعادل تلك الخطوة»، مرة أخرى، دون الإفصاح عن المقصود بذلك. وكان لافتاً أن البيان المشترك للزعيمين لم يذكر مطلب كوريا الشمالية بإعلان نهاية الحرب الكورية.

فقد انتهت الحرب في 1953 بإعلان الهدنة التي لا تزال سارية رسمياً حتى اليوم.

لكن أكثر ما لفت الانتباه في لقاء القمة أنه كشف عن غياب استراتيجية واحدة تجاه كوريا الشمالية تتفق عليها كوريا الجنوبية وحليفتيها واشنطن واليابان. فالعلاقات بين الكوريتين تسير بخطى أكثر تسارعاً بكثير، بالمقارنة بالعلاقة مثلاً بين واشنطن وكوريا الشمالية، بينما يبدو أن التنسيق بين واشنطن وطوكيو لا يسير على خطى ثابتة.

ولعل غياب مثل تلك الاستراتيجية الواحدة هو ما جعل الكثير من المراقبين يصفون زيارة رئيس كوريا الجنوبية، مون جاي إن، لبيونغ يانغ لعقد القمة بأنها «مقامرة». فالسرعة التي تسير بها علاقة الكوريتين، تزامناً مع غياب استراتيجية الحلفاء الموحدة، من شأنها أن تمثل مغامرة بالنسبة للرئيس مون ليس فقط دولياً وإنما داخلياً أيضاً.

فالولايات المتحدة نفسها ليست لديها استراتيجية واضحة. فترامب أعلن، فور قمة الكوريتين، ثناءه على زعيم كوريا الشمالية، كيم جون أون، واصفاً ما تم في القمة بأنه «تقدم هائل»، بينما وجه وزير خارجيته، مايك بومبيو، الدعوة لنظيره الكوري الشمالي للقائه في نيويورك، مؤكداً أن الولايات المتحدة على استعداد لاستئناف المفاوضات فوراً من أجل «إحداث تحول في العلاقة» بين البلدين «ونحو التخلص الكامل من السلاح النووي بحلول يناير 2021.

لكن الوزير الأميركي لم يقل كلمة واحدة عن «الخطوات» التي طالبت كوريا الشمالية أميركا باتخاذها في قمة الكوريتين، مقابل إغلاق موقعها النووي.

وأشار بومبيو في ذلك الصدد بأن مثل تلك الخطوات لم تكن أصلاً على مائدة المحادثات في قمة ترامب - كيم. وليس واضحاً بالضبط طبيعة الخطوة التالية من جانب واشنطن.

فتصريحات ترامب في هذا الملف تظل تعطي الانطباع بأنه وافق على أمور، يتضح لاحقاً أنها لا تزال قيد التفاوض، ويوجد انقسام واضح داخل فريقه بشأنها.

ويحدث كل ذلك بالتزامن مع ضغوط شديدة تمارسها إدارة ترامب على كوريا الجنوبية لتقدم شيئاً ملموساً مقابل تقدم علاقتها بالشمال.

وتسارع خطى العلاقات بين كوريا الجنوبية وجارتها الشمالية لو لم يقابله تقدم تقبله أميركا بالملف النووي من شأنه أن يزيد من توتر العلاقة، المتوترة أصلاً بسبب النزاعات التجارية، بين سيؤول وواشنطن.

ولأن الصين تدعم بقوة تحسن العلاقة بين الكوريتين، فإن غياب التقدم بالملف النووي من شأنه أن يزيد من قلق اليابان وتوتر علاقتها بكوريا الجنوبية، الأمر الذي يمثل مزيداً من المخاطرة بالنسبة للأخيرة.

فليس سراً أن هذا بالضبط ما تريده بيونج يانج التي قامت استراتيجيتها دوماً على تفرقة حلفائها. وهي لم تنس أبداً ما قاله جون بولتون مستشار الأمن القومي الأميركي بخصوص استخدام «النموذج الليبى» في العلاقة مع بيونغ يانغ. وليس سراً أيضاً أن مصدر قوة كوريا الجنوبية في تفاوضها مع الشمال هو علاقة التحالف التي تربطها بواشنطن.

لكن رئيس كوريا الجنوبية يواجه مخاطرة داخلية أيضاً. صحيح أن الأغلبية في بلاده ترغب في تجنب أية مواجهة بين الكوريتين، وتخشى أي هجوم أميركي على الشمال، إلا أن اليمين ليس قوة يستهان بها في كوريا الجنوبية، وهو يرفض أي علاقة مع كيم غونغ أون تحديداً.

المفارقة في كل ذلك هي أن العلاقة بين «مخاطرة» الرئيس مون وغياب الاستراتيجية الموحدة بين الحلفاء تبدو وكأنها علاقة دائرية لا يعرف المتابع أيهما التي تقود للأخرى. فهل غياب الاستراتيجية الموحدة هو الذي يجعل قمة الكوريتين مخاطرة من جانب مون، أم أن القمة هي التي تخاطر بالعلاقة مع الحلفاء؟!

Email