خطوات حذرة على رمال متحركة

ت + ت - الحجم الطبيعي

يأتي الاستحقاق الزمني بإجراء الانتخابات التشريعية في العراق ومجيء حكومة جديدة في ظرف سياسي استثنائي وحساس جداً على المستويين الإقليمي والعراقي.

والحديث عن الإصلاحات في العراق ليس سهلاً رغم أنه يأتي على رأس الأولويات في أجندة القوى التي تتبنى برنامجاً حقيقياً للنهوض.

لأن ذلك يتطلب قبل كل شيء إصلاح النظام السياسي القائم الذي بني على أسس خاطئة تكرست على مدى دورات انتخابية عدة لتصبح من المسلمات، فهناك حديث عن سلطة تتشكل وفق مبدأ المحاصصة، وهناك حديث عن السواد الأعظم وهو الشعب العراقي الذي يرفض هذا المبدأ.

لا ينتظر العراقيون الكثير من مخرجات العملية السياسية التي كشفت عن نفسها أفراداً وبرامج في الانتخابات التشريعية التي جرت في مايو المنصرم، إذ لم تكن هناك مقدمات تدعو للتفاؤل، فمنذ اليوم الأول بدأت الرسائل السلبية الصادرة عنها تترى.

فقد شهدت بدافع من اليأس بجدواها عزوفاً غير مسبوق عن المشاركة فيها وصاحب آليات إجرائها الكثير من الأقاويل والطعون والتشكيك بنزاهتها، أسهمت في تأخير إعلان نتائجها شهوراً عدة، ثم كان الثالث من سبتمبر الجاري حيث أخفق المجلس النيابي الجديد في عقد جلسته الأولى بعد أن سحبت بعض القوى نوابها للإخلال بنصاب الجلسة.

شعارات براقة استخدمت للإعلان عن الرفض للعودة إلى المحاصصة في سياقات التحضير للانتخابات التشريعية التي جرت في مايو المنصرم، فالائتلافات التي خاضت الانتخابات التي تشكلت بعدها لتخوض معركة تشكيل الكتلة الأكثر عدداً أكثرت من الحديث عن ذلك، مع أنها وعلى مستوى ما ترتب على نشاطاتها لم تتخل عن هذا النهج في مقاربة من يشغل الرئاسات الثلاث ونوابها.

ائتلاف البناء بزعامة العامري -المالكي نجح في مناورة بارعة بتبني مرشح المحور الوطني لرئاسة مجلس النواب محمد الحلبوسي في خطوة تقارب مع المحور الذي لديه 53 نائباً متحدياً ائتلاف الإصلاح بزعامة مقتدى الصدر الذي فشل في إمرار أحد مرشحيه الكُثر للمنصب! هذا السيناريو لم يكن في إطار التوافقات بين المكونات الذي اعتدنا عليه، ومن المستبعد أن يعتمد في مقاربة منصب رئاسة مجلس الوزراء.

بعض الفائزين في الانتخابات التشريعية يسير بحذر شديد في حقول رمال سياسية متحركة، ينتقل فيها من موقف لآخر ومن كيان سياسي لآخر بكل سهولة، بغض النظر عن البرنامج الذي تبناه للوصول إلى قبة المجلس النيابي، وذلك بفعل المتغيرات السريعة الحدوث في مزاج الشارع العراقي من جهة، وبفعل مصالح الكيان السياسي الذي ينتمي إليه من جهة أخرى.

هذا إذا أسقطنا دور التدخلات الخارجية ووعودها وضغوطاتها وتهديداتها. رئيس الوزراء حيدر العبادي كان قبل بضعة أيام المرشح الأوفر حظاً في تولي رئاسة الوزارة لدورة ثانية إلا أن هذه الوفرة تهاوت فجأة، حيث أجهزت انتفاضة البصرة عليها على الرغم من أن هذه الانتفاضة لم تعزز حظوظ غيره.

لا شك أن التأخير في تشكيل الحكومة رغم مرور ما يزيد على أربعة شهور على إجراء الانتخابات التشريعية يدعو للقلق فالتنافس الشديد على منصب رئاسة الحكومة يزعزع من استقرار البلد القلق أصلاً، ويعرضه للكثير من المخاطر.

سيما أن الائتلافين المتنافسين، البناء والإصلاح، لديهما ميليشيات مسلحة في الوقت الذي لا يزال تنظيم داعش يحتفظ ببعض القدرات على القيام بعمليات تدميرية. هذا علاوة على أن هذا التأخير قد أتاح فرص التدخل لجميع الجهات التي لها مصالح في مسارات العملية السياسية.

أجواء تشكيل الحكومة أصبحت مختلفة عن سابقاتها، فقد تراجع الحديث في الأيام الأخيرة عن الكتلة الأكثر عدداً لشدة الخلافات حولها وخطورة تصاعدها بل أصبح هناك توافق على تقديم مرشح تسوية مستقل يحظى بالقبول من معظم الأطراف، حيث يجري تداول اسم الدكتور عادل عبد المهدي الذي سبق أن تبوأ مناصب قيادية في الدولة، وكان مرشحاً لرئاسة الحكومة ومنافساً قوياً للدكتور إبراهيم الجعفري بعد أول انتخابات تشريعية عام 2005.

 

Email