وعد شائن جديد غير قابل للتطبيق

ت + ت - الحجم الطبيعي

مر في هذا الشهر 25 عاماً على اتفاق أوسلو بين منظمة التحرير الفلسطينية وبين إسرائيل، الذي كان يفترض أن يمهد لإقامة دولة فلسطينية على الضفة الغربية وقطاع غزة، لكن إسرائيل كعهدها دوماً في نقض العهود والتنصل من الاتفاقيات، والتجاهل للقانون الدولي، أخذت من الاتفاق كل ما تريد، في مقابل شيء واحد فقط هو الاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية ممثلاً للشعب الفلسطيني، بعد أن قامت باغتيال كل قادتها المؤثرين قبل توقيع الاتفاق، وقتل ياسر عرفات نفسه بعد أن عاد إلى الأراضي الفلسطينية وبات رئيساً للسلطة الوطنية الفلسطينية.

وخلال ربع قرن من الاتفاق، وسعت إسرائيل من بسط نفوذها على الأراضي الفلسطينية، فسيطرت على نحو 60% من أراضي الضفة الغربية ببناء المستوطنات التي زادت وتيرتها بنسبة 400%، قياساً للحال التي كانت عليه قبل توقيع أوسلو، كما أخلت مناطق شمال وشرق القدس من الوجود الفلسطيني، وفرضت حصاراً بحرياً وبرياً على «إمارة غزة الدينية» التي أقامتها حماس بتشجيع منها.

واليوم تعترف إدارة ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل، وتنقل سفارة الولايات المتحدة إليها، وتعترف بيهودية الدولة الإسرائيلية، التي عززها قانون القومية الذي أصدره الكنيست الإسرائيلي أخيراً، وأوقفت الدعم الأميركي البالغ 360 مليون دولار سنوياً لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين الأونروا -التي تأسست في ديسمبر عام 1949، لتوفير احتياجات الحياة لنحو 5 ملايين لاجئ فلسطيني في سوريا ولبنان والأردن الأراضي الفلسطينية المحتلة، وتمارس الضغوط على هيئة الأمم المتحدة، لوقف التمديد السنوي لعمل الوكالة.

لم يتوقف الأمر عن هذا الحد، بل قررت الإدارة الأميركية أن عدد اللاجئين الفلسطينيين لم يعد يتجاوز 480 ألف لاجئ، وتمارس ضغوطاً هائلة لتوطينهم في البلاد التي يتواجدون بها.

بجانب التهديدات السافرة لقضاة المحكمة الجنائية الدولية في حال قبولها دعوى فلسطينية لمحاكمة قادة إسرائيل بجرائم حرب ضد الشعب الفلسطيني، وإغلاقها مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن وترحيل المسؤولين عنه، وطرد أسرهم في مخالفة صريحة لكل الأعراف الدبلوماسية، والتبرير المضحك الذي ساقه البيت الأبيض لكل هذا الطغيان وإنكار الحقوق، هو رفض السلطة الوطنية الفلسطينية لمبدأ التفاوض من أجل التفاوض الذي دام 25 عاماً، ولم يكن يفضي سوى إلى فقدان الحقوق الفلسطينية المشروعة واحداً تلو الآخر، وعدم قبولها بالعودة مرة أخرى لمائدة التفاوض مع إسرائيل تحت المظلة الأميركية، ليغدو المطلب الوحيد منها، هو التوقيع على صك بوعد جديد يتمثل في شطب القضية الفلسطينية من جدول الصراع الدولي.

وفي الثاني من نوفمبر المقبل تمر 101 سنة على صدور وعد بالفور عام 1917، الذي أصدره وزير الخارجية «آرثر بلفور» في الحكومة البريطانية صاحبة سلطة الانتداب آنذاك على فلسطين، بدعم من القوى الاستعمارية السائدة وبتأييد من الولايات المتحدة الأميركية.

على شكل خطاب وجهه إلى المليونير اليهودي اللورد روتشيلد، متضمناً التصريح، الذي صار وعداً، وتعهد فيه بتأسيس وطن قومي لليهود في فلسطين، لكن الوعد انطوى على خديعة، حين نص حرفياً «على أن يفهم جدياً أنه لن يؤتي بعمل من شأنه أن ينتقص من الحقوق المدنية والدينية التي تتمتع بها الطوائف غير اليهودية المقيمة الآن في فلسطين» انتهى النص الذي لم ينفذ منه سوى شق واحد فقط، حين تولت عائلة روتشيلد التجارية، التي كونت ثرواتها عبر المتاجرة في النفايات وأسواق العملات، ووسعت تجارتها بالسيطرة على تمويل أوروبا وإقراضها بفوائد باهظة، استثمار تجارتها في شراء الأراضي الفلسطينية، وتحويلها إلى مستوطنات تتولى تمويلها وإدارتها، كما سبق أن مولت شراء بريطانيا لنحو 44% من أسهم قناة السويس لتثبت دعائم احتلالها لمصر!

تجار في الأول والمنتهى، يتلاعبون بسياسات الدول، وبمصائر الشعوب.

والوعد الذي يسوقه تجار الإدارة الأميركية الآن، بمحو قضية فلسطين من الوجود، غير قابل للتحقق، ليس فقط لأن انفراد واشنطن بالسيطرة على النظام الدولي آخذ في التراجع، ولكن، لأن فلسطين لا تزال باقية رغم التهويد والتهجير، وأن شعبها لا يزال مستعداً لتقديم تضحيات جسورة لنيل حقه في دولة مستقلة، عاصمتها القدس الشرقية مهما طال الزمن واستبد الطغاة.

Email