الوعي المجتمعي في حماية التراث

ت + ت - الحجم الطبيعي

قد لا أضيف جديداً إذا ما قلت إن اليونيسكو ـمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة- ومنذ أن عرفناها تسعى لتحديد مناطق التراث الثقافي والطبيعي وحمايتها والحفاظ عليها في جميع أنحاء العالم، انطلاقاً من الأهمية التاريخية لهذا التراث في التعبير عن ثقافات الشعوب وإلهامها كما يمكن توظيفه مع النعم الطبيعية المميزة في تحقيق موارد تدعم الاقتصاد والسياحة.

ولهذا كانت اليونيسكو قد أوجدت (اتفاقية التراث العالمي الثقافي والطبيعي) وأحرزت نجاحاً كبيراً في حماية الكثير من موروثات الشعوب كالمواقع الأثرية والمباني التاريخية، فضلاً عن شمول الفلكلور التقليدي المميز بالتنسيق مع المؤسسات المحلية.

ومن المواقع التي شملها هذا القانون على سبيل المثال في منطقة الخليج العربي (قلعة البحرين والميناء القديم ودلمون في البحرين، وفي عُمان قلعة بهلا والري بالأفلاج، وفي السعودية مدائن صالح ومنطقة طريف في الدرعية، وفي دولتنا الإمارات مواقع العين حفيت - هيلي - بدع بنت سعود وغيرها).

ومن أصعب ما تواجهه المعالم التراثية في العالم هي الحروب والنزاعات المسلحة، مثلما حدث للآثار العراقية عموماً وآثار المتحف العراقي عند احتلال العراق عام 2003 م، حيث تم نهب وسلب الكثير من الآثار النفيسة التي لا تقدر بثمن، ومنها ما أتلف وتم تكسيره خلال عملية النهب، حتى كنز نمرود التاريخي الذي يفوق الخيال بجماله ويصعب تحديد قيمته المالية، لأن قيمته الرمزية والفنية لا تضاهى، حتى هذا الكنز الذي كان محفوظاً في خزائن محكمة في البنك المركزي العراق لم يسلم ولا أحد يعلم أين هو الآن.

أما آثار الموصل /‏ شمال العراق فقامت عصابات داعش بتحطيمها، وكأنها أرادت أن تنتقم من حضارة عريقة عمرها آلاف السنين.

ومثل ذلك تعرضت المعالم الأثرية في سوريا واليمن على أيدٍ همجية لا تعرف لها قيمة ولا تقيم لها وزناً. من هنا يأتي السؤال الذي أود أن أطرحه سواء على منظمة اليونيسكو المعنية بهذه المعالم والآثار وعلى المتخصصين في هذا المجال، هو كيف نفعّل قانون الحماية؟ وهل يكفي القانون دون طرح مبادرات ثقافية لبناء وعي مجتمعي لحماية المعالم الثقافية والآثار؟

إن هذه الآثار والمعالم هي ملك للأجيال وتعتبر من الكنوز التي تعتز بها كل دولة في العالم، وهي روح المتاحف، وقد زرنا عدة بلدان في العالم ووجدناها تعتز بمتاحفها، ولا ندخل أي متحف دون أن ندفع مبلغاً هو ثمن المشاهدة، فتجني الدول الملايين من متاحفها سنوياً.

ولعل بناء الوعي المجتمعي بأهمية المعالم الآثارية والآثار والمتاحف أمر مهم للغاية في بلادنا العربية التي تعد من المراكز الحضارية الزاخرة بهذه النفائس، فإن لم يحم القانون هذه النفائس على المجتمع أن يحميها ولا يفرط فيها.

لقد هدم «داعش» مسجد النوري الكبير ومئذنة الحدباء في مدينة الموصل العراقية، وهي من المعالم التاريخية المهمة في العراق بناها نور الدين زنكي في القرن السادس الهجري، وكلنا تألم وهو يشاهد كيف تهاوت هذه المنارة العتيدة وكيف تهدم الجامع.

لكن ما يسر الخاطر ويبعث الأمل في إعادة بناء جامع النوري الكبير والمنارة الحدباء هو ما أعلنته وزارة الثقافة وتنمية المعرفة عن اتفاق دولة الإمارات العربية المتحدة بالشراكة مع وزارة الثقافة العراقية واليونيسكو بالتعاون مع المركز الدولي لدراسة وصون الممتلكات الثقافية (إيكروم) على إطلاق إعادة بناء وترميم مسجد النوري الكبير ومئذنة الحدباء وبكلفة خمسين مليوناً وأربعمئة ألف دولار أميركي.

إن اليونيسكو والمؤسسات المعنية بالتراث في البلدان العربية تستطيع وضع برامج تثقيفية وإعلامية كثيرة في هذا المجال لا تكلف كثيراً، ولكن نتائجها مفيدة على المديين القريب والبعيد.

Email