ربع قرن على اتفاق أوسلو

ت + ت - الحجم الطبيعي

مضى خمسة وعشرون عاماً على الاتفاق الشهير المعروف بأوسلو بين الفلسطينيين والإسرائيليين. وقد وقع هذا الاتفاق في حديقة البيت الأبيض في 13 سبتمبر 1993، بحضور الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات ورئيس الوزراء الإسرائيلي إسحاق رابين ووزير الخارجية الإسرائيلي حينها شمعون بيريز. وقد وقع الطرفان الاتفاق برعاية أميركية (وروسية شكلية)، حيث وقف الرئيس الأميركي بيل كلينتون وسط عرفات ورابين ودفع بهما في صورة أيقونية للمصافحة التاريخية بين الخصمين اللدودين.

وأسس اتفاق أوسلو لتواجد فلسطيني على أراضٍ فلسطينية محتلة وهي أريحا وغزة، وكان القصد هو تأسيس حكم ذاتي للفلسطينيين في المناطق التي احتلتها إسرائيل في العام 1967، والذي سيفضي في النهاية إلى دولة فلسطينية مستقلة بعد التفاوض على قضايا الحل النهائي. وتشمل هذه القضايا وضع القدس، واللاجئين والذين هجروا في العام 1948، وقضية الحدود النهائية بين دولة فلسطين وإسرائيل والمستوطنات الإسرائيلية في الأراضي المحتلة.

وبناءً على الاتفاق تأسست السلطة الوطنية الفلسطينية بقيادة عرفات والذي شكل حكومة تعينه على إدارة السلطة.

وقد استبشر الكثير عند توقيع هذه الاتفاقية بأن الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني سيؤول إلى الزوال، وبالتالي سيتم مصالحة تاريخية بين العرب والإسرائيليين يشيع جواً من الوئام والسلام والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط المضطربة. وفاز كل من عرفات ورابين وبيريز بجائزة نوبل للسلام في العام 1994، اعترافاً بجهودهم لإحلال السلام بين شعبيهما.

وقد تبع اتفاق أوسلو اتفاق آخر عرف بـ«أوسلو 2» أو اتفاق طابا، حيث وقع هذا الاتفاق. وقد حدد أوسلو 2 مناطق ثلاثة وهي منطقة (أ) والتي ستكون تحت إدارة السلطة الوطنية، ومنطقة (ب) وستكون هناك إدارة مختلطة إسرائيلية وفلسطينية، ومنطقة (جـ) وستبقى تحت سيطرة إسرائيل كاملة. وستقوم القوات الإسرائيلية بإعادة الانتشار للسماح بإقامة انتخابات تشريعية للفلسطينيين تحل محل السلطة الوطنية.

وسيتسمر هذا الوضع لمدة خمس سنوات بعدها تبدأ مفاوضات الوضع النهائي. إلا أن السنين التي تبعت كل هذه الاتفاقات لم تقرب الفلسطينيين إلى الإسرائيليين، ولم يشفع الاعتراف المتبادل بين الأطراف المتنازعة للتغلب على القضايا الواقعية والتي تفرق بين الخصمين التاريخيين. وظهر أن ما يبعد الطرفين عن بعضهما أكبر مما يقربهما.

وفي العام 1995، أراد القدر أن يزيح أهم شخصية إسرائيلية في العملية السلمية حين تمكن إسرائيلي متعصب اسمه يغال عامير، والبالغ من العمر 25 سنة، من اغتيال رئيس الوزراء رابين. ومع وفاة رابين، استطاع اليمين الإسرائيلي الوصول إلى الحكم بزعامة رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو في انتخابات عام 1996. وأوصلت القاعدة الانتخابية الليكود إلى الحكم؛ إضافة إلى محاولة نتانياهو إجهاض عملية أوسلو وقتلها عند ولادتها.

وقد دب الأمل من جديد مع انتخاب العمل إلى سدة الحكم في العام 1999 وتشكيل حكومة بقيادة إيهود باراك. وقد خدم الأخير في الجيش الإسرائيلي فترة طويلة وله تاريخ في القيام بعمليات اغتيال ضد القادة الفلسطينيين في لبنان. وقد أعطاه هذا السجل دفعة أمام الناخب الإسرائيلي بأنه قائد قوي لن يفرط في أمن إسرائيل وسيحقق السلام.

وكان الرئيس الأميركي بيل كلينتون حينها يعاني من فضيحة مونيكا لوينسكي والذي نفذ منها ولم يزاح من الرئاسة. وكانت هناك رغبة جامحة لدى كلينتون لخاتمة تغسل العار وتحقق له مكانة في التاريخ. ولعل كلينتون أبصر في انتخاب باراك فرصة يانعة يجب اقتطافها وتحقيق السلام العصي بين الفلسطينيين وإسرائيل.

وبناءً على هذه المستجدات، دعا الرئيس الأميركي إلى مفاوضات ماراثونية بين الفلسطينيين والإسرائيليين في كامب ديفيد. وكان الرئيس عرفات متحفظاً على الذهاب إلى المفاوضات المزمع عقدها دون الإعداد الكافي لهذه المفاوضات. وكان عرفات يخشى أن تفشل المفاوضات وبطبيعة الحال يلام الفلسطينيون.

وفعلاً حضر الطرفان الفلسطيني والإسرائيلي إلى كامب ديفيد في 11 يوليو واستمرت المفاوضات إلى 25 من الشهر نفسه. ولم يتوصل الطرفان إلى حل حول القضايا الرئيسة رغم الجهد الذي بذله الرئيس كلينتون ووزيرة خارجيته مادلين أولبرايت. وصدر بيان ثلاثي يشير إلى عدم التوصل إلى اتفاق إلا أن الطرفين مصران على إنهاء حالة الصراع بينهما.

ولكن بعد الانتهاء من هذه المفاوضات والتي استمرت أسبوعين، هبت حملة إعلامية على عرفات والفلسطينيين وصُوّر عرفات على أنه عقبة في طريق السلام. كما أن باراك ظهر على أنه قدم صفقة سخية لعرفات ولكنه رفضها كعادة العرب الذين لا يفوتون فرصة لإضاعة الفرص، وانضم الرئيس كلينتون لاحقاً للجوقة وكذلك أولبرايت.

ولكن روبرت مالي والذي شارك في المفاوضات، وكان يشغل منصب معاون كلينتون للشؤون الفلسطينية، خالف الرواية السائدة. وقال إن هناك أساطير نسجت حول كامب ديفيد ومنها أن الفلسطينيين لم يقدموا أية تنازلات وهي ما تكذبه الحقائق التي وقعت أثناء المفاوضات. ويضيف إن عرفات قدم تنازلات كثيرة لإسرائيل لم يقدمها أي زعيم عربي من قبل.

ولعل الشهادة التي تؤيد الرواية الفلسطينية هي من وزير الخارجية الإسرائيلي شلومو بن عامي، والذي شارك في مفاوضات كامب ديفيد، وقال لو كنت فلسطينياً لما كنت قد قبلت بما عرضه باراك على عرفات. وهكذا ماتت اتفاقات أوسلو من دون مراسم دفن رسمية.

Email