ماذا بعد جنيف يا «الحوثي»

ت + ت - الحجم الطبيعي

قبل أسبوع تقريباً، وتحديداً يوم الخميس الماضي، استبشر الرأي العام العالمي خيراً بأن ميليشيات الحوثية سوف تجري مفاوضات مع الحكومة الشرعية في اليمن بالعاصمة السويسرية، جنيف، في محاولة جديدة بذل فيها المبعوث الدولي إلى اليمن مارتن غريفيث جهداً كبيراً من أجل التوصل إلى حل سياسي يضع حداً لمأساة الشعب اليمني، المستمرة منذ أكثر من ثلاثة أعوام.

والشيء الذي غاب عن الناس العاديين أو تجاهله البعض بقصد هو أن دور هذه الميليشيات لا يضمن لهم الحضور إلى مقر المفاوضات وحتى مجرد الحديث عن إمكانية الحضور من عدمها إلا بقرار من طهران حيث قمة الهرم السياسي التي تصدر منها التعليمات للحوثيين، فما بالك بالقرارات التي يمكن أن تتخذ خلال المفاوضات.

اللافت في الأزمة اليمنية أن المجتمع الدولي ممثلا في السيد مارتن غريفيث -مع إدراكنا لحسن نيته في التوصل إلى سلام حقيقي في اليمن-انخدع للمرة الثالثة للأسف من الحوثيين وفق مبدأ التقية السياسية التي يتبعها الحوثيون بأنهم يريدوا أن ينهوا الأزمة اليمنية ويفوا بتعهداتهم مع أن الخبرة التاريخية لهم لا تشفع لهم وهذا كان السبب الرئيسي لتدخل قوات التحالف العربي فهم لا يجدون حرجاً في التراجع عن التزاماتهم وخيانة حلفائهم.

الرائع في الموضوع أن تلك الخدعة الحوثية لم تنطلي على قوات التحالف العربي ولا على الحكومة الشرعية اليمنية التي اشطاطت غضباً من تساهل المبعوث الدولي مع الحوثيين، وإنما أرادوا أن يثبتوا للرأي العام العالمي حسن نيتهم لذلك قبلوا الحضور إلى جنيف وإعطاء الحوثيين فرصة جديدة وأملاً آخر ربما الأخير هذه المرة، ليكونوا شركاء سياسيين لأن بعد حادثة جنيف فإن أفق المفاوضات غير واضح.

حقيقة أن سر التعنت الحوثي سواء في داخل اليمن أو مع المجتمع الدولي يكمن في التحولات السياسية التي تحدث مع النظام الإيراني فهي (ميليشيا الحوثي) ومعها الميليشيات الأخرى المنتشرة في المنطقة إنما تقوم بأدوار ليست لهم وإنما هم أدوات تنفذ إرادة المهندس السياسي القابع في طهران فهناك القرار الحقيقي سواء في الفوضى التي تعيشها المنطقة أو أي قرار متعلق بالتهدئة الذي أساسه رغبة في كسب المزيد من الوقت للحصول على مزايا من سياسة الشد والجذب مع المجتمع الدولي.

ما نتمناه أن يكون المبعوث الدولي قد تنبه إلى حقيقة الحوثيين وأن ينتهج خطاً سياسياً مغايراً تماماً ليس لسلفه إسماعيل ولد الشيخ ولكن الذي اختطه لنفسه أيضاً بأن هناك أملاً في الحل السياسي مع الحوثيين وبالتالي إشغال المجتمع الدولي حول حقيقة نواياهم بعيداً عن إنهاء القضية بأكملها، فالكل بات يدرك كيف تسير اللعبة السياسية لهذه الميليشيات في المنطقة لأن معاييرها ليست وطنية ولا سياسية وإنما لها علاقة بما يحدث بين السياسة الدولية وإيران، لأنه ليست مصادفة عادية أن يقبل الحوثيون بالمفاوضات ثم يتراجعون في اللحظات الأخيرة، فالأمر لا يسير بتلك السهولة مع أتباع طهران، فهو تكتيك سياسي له علاقة بما يحدث من تفاصيل سياسية في الصراع بين المتنافسين في المنطقة.

بصورة عامة إيران تسعى إلى إطالة أمد الأزمات والنزاعات في المنطقة عبر دعم الميليشيات وفي هذه الأزمة (الأزمة اليمنية) بوجه خاص لديها قراءة بأنها تسير نحو كارثة إنسانية وبالتالي فهي تراهن عليها في تغيير بوصلة الصراع لصالحها، لهذا فإن شكوى الحوثيين من عدم القبول بمطالبها وهي: الانتقال بطائرة من دولة محايدة، ونقل الجرحى اليمنيين للعلاج خارج اليمن وضمان العودة إلى اليمن، كلها مبررات ليست حقيقية بقدر ما أنها مسألة تخفي وراءها أهدافاً أخرى.

تصرفات الحوثيين وسلوكياتهم مع الأزمة اليمنية لا تمثل فصيلاً سياسياً يريد أن يصل إلى حل بقدر ما أنه مرآة للسياسة الإيرانية مع الدول العربية هذا لمن يريد أن يفهم أسباب التخبط السياسي الذي تتعامل به مع المجتمع الدولي ومن هذا المنطلق فإن اللغة الوحيدة التي تفهمها هذه الميليشيات هي لغة القوة.

Email