مصالح العرب في عالم مضطرب

ت + ت - الحجم الطبيعي

أنظار العالم كله تتجه للولايات المتحدة الأميركية، لتراقب التطورات المتلاحقة على الساحة السياسية في الداخل وتأثيراتها في العالم كله، فما زالت الولايات المتحدة ولسنوات طويلة مقبلة هي القوة الأعظم. اقتصادها هو الأقوى، وتأثيرها السياسي وقوتها العسكرية لا تقارن.. ورغم التحديات التي تواجهها فما زال مصير النظام العالمي الحالي مرتبطاً بالأوضاع في القوة الأعظم وبمسار الأحداث داخلها، وبقرارها المتحكم لحد بعيد في قضايا الحرب والسلام، وبصراعات الاقتصاد والسياسة.

مع اقتراب الانتخابات التشريعية في نوفمبر المقبل، كان متوقعاً أن تزداد وطأة الحملات السياسية بين الحزبين الرئيسيين «الديمقراطي» و«الجمهوري» والقوى الاجتماعية والاقتصادية المساندة لهما. خاصة في ظل وصول التحقيقات في قضايا التورط الروسي في انتخابات الرئاسة إلى مرحلة دقيقة ومع رهان الديمقراطيين على إمكانية الاستحواذ على الأغلبية في مجلس الكونغرس، حيث يمكن محاسبة الرئيس أو إيقاف برامجه.

الجديد الآن أن الطعنة جاءت من داخل البيت الأبيض مع افتتاحية «نيويورك تايمز» التي نسبتها لأحد كبار المسؤولين حول ترامب، والتي قالت إنها حجبت اسمه حفاظاً على موقعه. كان الحديث قد تواتر كثيراً قبل ذلك عن صراعات بين رجال الرئيس، لكن الأمور هنا وصلت إلى ما هو أبعد، وتتحدث عن إدراك عدد من كبار رجال الرئيس لخطورة الوضع وعملهم كجماعة تحاول ضبط الأداء داخل البيت الأبيض حتى لا تفلت الأوضاع!!

الرئيس ترامب من جانبه وصف الأمر بأنه «خيانة» وكبار رجال الرئيس تبرأوا من المقال.. بدءاً من نائب الرئيس إلى وزيري الدفاع والخارجية ورئيس المخابرات وغيرهم.

الدلالات هنا كثيرة، ولعل أولاها أن معركة الانتخابات التشريعية تزداد شراسة، لكن الأهم بالنسبة للرئيس ترامب أنه كان يعتمد على أن الديمقراطيين فرصتهم كبيرة في الاستحواذ على مجلس النواب، لكنهم في مجلس الشيوخ لن يحصلوا على نسبة المقاعد التي يحتاجونها إذا صعدوا المعركة للتخلص منه، و(هي نسبة ثلثي المقاعد).. والخطير هنا أن التطورات الأخيرة «ومنها مقال نيويورك تايمز» تكشف أن جناحاً لا يستهان به من الجمهوريين قد يكون مستعداً لسحب تأييده له «إيماناً بالقيم التي يؤمن بها الجمهوريون»، كما جاء في تبرير كاتب افتتاحية «نيويورك تايمز» لموقفه من الرئيس!!

على الجانب الآخر.. قد يكون الأهم بالنسبة لنا وللعالم أن يتأكد من خلال التطورات الأخيرة، أن سياسة أميركا هي سياسة دولة وليست سياسة أفراد. وأنه مع الإقرار بالدور شديد الأهمية لموقع الرئاسة فإن مؤسسات الدولة هي التي تضع الاستراتيجيات وتنفذها. وأنها تملك من الأدوات ما يجعلها تضع مصالح الدولة فوق كل شيء، وما يمكنها من ضبط الأوضاع حتى داخل البيت الأبيض.

نعم.. هناك تأثير للرئيس، لكن هناك استراتيجيات للدولة، وهناك مصالح عليا لابد من الالتزام بها.. وهناك سياسات تعلو على النزعات الشخصية أو النظرة الحزبية الضيقة. ولا شك هنا أن الأوضاع في الشرق الأوسط «على سبيل المثال» تقع ضمن أولويات هذه الاستراتيجية الثابتة، والمصالح التي لا يمكن أن تتأثر بالصراعات الشخصية أو الحزبية.

ولا شك في قدرة الولايات المتحدة على تجاوز هذه الأوضاع الداخلية الاستثنائية ومحاصرة تأثيراتها السلبية عليها. وأنه سيتم تجاوز الأوضاع الطارئة لأن أميركا لا يمكن أن تتحمل تبعات استمرار هذه الحالة من عدم اليقين، والعالم أيضاً لا يتحمل! لكن سيبقى عمل كبير للتعامل مع حالة الانقسام المجتمعي، ومواجهة التيار اليميني المتطرف الذي يمثل صعوده في العقود الماضية سنداً لليمين المشابه في أوروبا والعالم.

ثبات الاستراتيجية الأميركية في القضايا الأساسية سيساعدها ويساعد العالم على تجاوز هذه المرحلة القلقة، ومع ذلك فإن علينا أن ندرك أننا في العالم العربي مطالبون بعمل كثير.. سواء لمواجهة تحديات المرحلة، أو لكي نكون مستعدين لكل الاحتمالات، أو لكي نكون عنصراً فاعلاً فيما يحدث، بدلاً من الاكتفاء بالمراقبة، أو تسديد الفواتير عن أخطاء غيرنا!!

علينا أن ندرك أن حسم بعض الصراعات في منطقتنا قد لا يتم بالسرعة التي نتمناها. ولكن علينا في الوقت نفسه أن نتصرف على أننا عنصر قوة قادر على التأثير في كل الأحوال. حين توحدنا مع مصر في معركتها للخلاص من حكم الإخوان الفاشي. استطعنا التغلب على كل التحديات بما فيها الموقف الأميركي الذي كان يقف مع الإخوان، وحين رفضنا محاولات مد النفوذ الأجنبي في أراضينا، أرغمنا العالم أن يعيد حساباته تجاه محاولات إيران وتركيا ضد العرب.

وعلينا أن ندرك أن أمامنا عملاً كثيراً.. لكي نحشد الجهد العربي لمواجهة النفوذ الصهيوني في أميركا، ولشرح قضايانا العادلة أمام رأي عام يتم تضليله، وللمساندة بكل الطرق المشروعة لتيارات عدة تمثل شرائح فاعلة في السياسة الأميركية تقاوم بشرف محاولات الصهاينة والعنصريين، وتقاوم أيضاً محاولات العملاء من «الإخوان» ومن يدعمونهم للإساءة للقضايا العربية.

Email