أميركا وعسكرة بحر الصين الجنوبي

ت + ت - الحجم الطبيعي

في خضم الضجة الأخيرة المثارة حول «حرية الملاحة» في بحر الصين الجنوبي، استعرضت دول بينها الولايات المتحدة الأميركية، وهي معارضة صريحة لـ «عسكرة» الصين للمنطقة، استعرضت قوتها العسكرية بإرسالها سفناً حربية وحاملات طائرات إلى المنطقة.

وهناك أربعة أسئلة تحتاج إلى إجابة لتوضيح الوضع الحقيقي في المنطقة. أولاً، ما تعريف حرية الملاحة؟ وفقاً للقانون الدولي، يجب أن تلبي السفن التي تتنقل في المياه الإقليمية للبلدان متطلبات «المرور البريء» لاتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار، وهذا يعني عدم استخدام القوة أو التهديد باستخدام القوة، وعدم الانخراط في تدريبات عسكرية أو جمع معلومات استخبارية.

وعلى الرغم من أن السفن البحرية لا تخضع لأحكام اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار «للممر البريء»، فهي مطالبة من قبل العديد من البلدان بالحصول على إذن مسبق أو تقديم إشعار مسبق لدخول المياه الإقليمية الأجنبية. هذه هي بنود قانون الصين المتعلق بالبحر الإقليمي والمناطق المتاخمة.

إذن، فحرية الملاحة ليست حرية مطلقة للإبحار حسب رغبة الدول المختلفة، ويجب عدم الخلط بين برنامج حرية الملاحة في الولايات المتحدة وحرية الملاحة المعترف بها عالمياً بموجب القانون الدولي.

ثانياً، لا توجد أي مشكلة في حرية الملاحة في بحر الصين الجنوبي، وفي الواقع فإن أكثر من 100 ألف سفينة تجارية تمر عبر هذه المياه كل عام، ولم تواجه أي منها أي صعوبة في حرية الملاحة. وعلى الرغم من بعض الخلافات بين الصين وبعض جيرانها، فإن الحفاظ على الاستقرار في بحر الصين الجنوبي يعد مسألة توافق في الآراء لكل البلدان في هذه المنطقة. كان الوضع العام مستقراً بفضل الجهود المشتركة لجميع الشركاء الإقليميين.

وفي أغسطس العام الماضي، على سبيل المثال، اتفق وزراء خارجية الصين ورابطة دول جنوب شرق آسيا «آسيان» على إطار مدونة السلوك، ووافقت الأطراف المعنية على عقد ثلاث جولات أخرى على الأقل من المشاورات قبل نهاية العام الجاري.

وبحر الصين الجنوبي هادئ والمنطقة في وئام، وما يسمى بقضية «حماية حرية الملاحة» يمكن أن تكون ذريعة للحصول على زوارق حربية لدى بعض دول المنطقة لإثارة النزاعات، أو التدخل المتعمد في شؤون بحر الصين الجنوبي، والتحريض على الخلاف بين الأطراف المعنية وإخلال الاستقرار الإقليمي.

السؤال الثالث يتعلق بعسكرة بحر الصين الجنوبي، فالولايات المتحدة، الخصم الذي يعتبر نفسه مناهضاً «للعسكرة»، يستمر في إرسال المدمرات، والطرادات، والناقلات، وطائرات الاستطلاع، والقاذفات الاستراتيجية المحملة بالكامل بأسلحة هجومية متقدمة، إلى هذه المنطقة. ما هي «العسكرة» إن لم تكن هذا العرض الصارخ للقوة؟ وبدلاً من الوصول إلى هذا الأمر، حذت بعض البلدان حذو الولايات المتحدة، متهمة الصين بأنها «لا تتقيد بالقواعد السلوكية». وهذا لا يؤدي فقط إلى حالة من الفوضى في الوضع الإقليمي فحسب، بل يساعد أيضاً مثيري الشغب.

إن الصين متيقظة بشكل طبيعي وتحرص على عدم إثارة الاستفزازات، وتحتاج إلى زيادة قدراتها الدفاعية، مثل بناء المرافق الضرورية في جزرها. هذه هي مسؤولية وحق أي دولة ذات سيادة. وستوفر هذه المرافق، التي تخدم غرض الحفاظ على سيادة الصين وأمنها، خدمات ملاحة ذات صلة للسفن والطائرات التي تمر عبر هذه المنطقة، وتساعد على ضمان انفتاح وسلامة طرق الشحن والطيران. فالصين هي أكبر دولة ساحلية في بحر الصين الجنوبي، وهي حتماً ملتزمة بثبات بالتنمية وتعزيز السلام والاستقرار في بحر الصين الجنوبي والازدهار والنمو الإقليمي.

السؤال الأخير هو ما الذي يتطلبه الأمر لضمان السلام والاستقرار في بحر الصين الجنوبي؟ إن بحر جنوب الصين الهادئ مهم بشكل مباشر للازدهار والتنمية في الصين وجيرانها، الذين يثمنون السلام والاستقرار في هذه المنطقة أكثر من أي شخص آخر، لذا فإن الأمر يعود إلى الصين ودول آسيان لإيجاد حل من خلال التفاوض والتشاور فيما بين أعضائها.

ولا يكاد أحد يلاحظ السلام عندما يستفيد الناس منه، لكن لا أحد يستطيع العيش بدونه، تماماً مثل الهواء والشمس، فالصين تحترم وتدعم حرية الملاحة في بحر الصين الجنوبي وفقاً للقانون الدولي، لكن حرية الملاحة ليست هي حرية الحركة. وبالنسبة لأولئك القادمين من خارج المنطقة الذين يستعرضون عضلاتهم في بحر الصين الجنوبي، فإننا ننصحهم: إذا كنتم مهتمين حقاً بحرية الملاحة، احترموا جهود الصين ودول آسيان للحفاظ على السلام والاستقرار، والتوقف عن استعراض قوتكم البحرية والجوية من خلال السفن والطائرات «لعسكرة» المنطقة، وأتيحوا نشر السلام في بحر الصين الجنوبي.

ـــ سفير الصين في بريطانيا

Email