في ذكراه العاشرة «درويش» العروبة

ت + ت - الحجم الطبيعي

في يوم 10 فبراير 1971 نشرت جريدة الأهرام خبراً بعنوان: «شاعر الأرض المحتلة وصل إلى القاهرة» انتفض محبو وأصدقاء الشاعر الفلسطيني محمود درويش من أدباء ومثقفين وشعراء وسياسيين ودبلوماسيين، وصوله إلى القاهرة كان هدفاً له مآرب ورسائل خاصة إلى الشعب الفلسطيني المحتل وإلى إسرائيل نفسها. مراحل عديدة ذاق مرارتها الشاعر المناضل الذي عاش داخل كرامته وعزته وعروبته.

الآن وبعد مرور 10 سنوات على وفاته تحكي القاهرة عن ذكرياتها مع الشاعر درويش فتأخذنا إلى أول بيان ألقاه في مبنى الإذاعة والتليفزيون بتاريخ 11 فبراير 1971 قال فيه:

«أريد أن أعلن منذ البداية أني أعتبر مسألة وجودي الآن في القاهرة، مسألة شخصية أتحمل وحدي مسؤولية اختيارها، وسأبذل منتهى جهدي للحيلولة دون تحويلها إلى موضوع للمناقشة والأخذ والرد، وكان من الممكن وربما من الأفضل حصر المسألة كلها في حدود ضيقة، لولا أن الظروف التي خلقتني والقضية التي قدمتني للناس قد ربطت اسمي بقضية عامة، وهذه القضية العامة هي العنصر الأساسي الذي دفعني لاختيار موقع جديد في الجبهة التي أحارب فيها.

ومن هنا، لم يعد من حقي أن أتصرف كمسافر أو سائح، ولهذا السبب أشعر بأنني مطالب أمام نفسي وأمام الرأي العام بتقديم بعض التحديدات العامة لأتابع بعدها طريقي، إنني ألح كثيراً على أن يكون مفهوماً لجميع الناس أن الخطوة الخطيرة التي اتخذتها نابعة من اعتبارات خدمة القضية من مواقع تبدو لي أكثر انطلاقاً وحرية.

وقد تمنحني مزيداً من القدرة على التعبير والعمل أكثر مما كنت قادراً على عمله في بلادي، إنني قادم من منطقة الحصار والأسر إلى منطقة العمل، ولا يساورني أي شك في أن الرأي العام العربي، وربما العالمي أيضاً، قد أصبح أكثر وعياً بواقع الاضطهاد الإسرائيلي للمواطنين العرب في بلادهم، وما جئت إلى هنا لإدانة هذا الواقع، لذلك فإني في حل من عرض لائحة الاتهام الخطيرة.

لكن ما يهمنا هو أن هؤلاء المواطنين يمارسون البطولة ممارسة يومية بتمسكهم بحق الانتماء الوطني، وبرفضهم المسؤول للانضمام إلى الغربة خارج الوطن.

لقد آثروا الاغتراب وتحمل القهر داخل الوطن، ولقد كنت شخصياً وما أزال أحب الذين أعطوا شبابهم وطاقتهم لهذا الصمود، وما زلت أعتبر نفسي واحداً من هؤلاء المواطنين الشجعان الذين يكافحون، وظهورهم إلى الحائط ويستمدون الطاقة والأمل من معركة التحرر والبناء والتقدم التي تخوضها شعوبهم خارج أسوار إسرائيل.

وأقول لكم - أيها الأصدقاء - بصراحة تامة إنني لاقيت من الحزن قدراً لا يجوز الحديث عنه هنا عندما قررت - مرغماً - الانفصال الجغرافي عن أولئك المواطنين. لكنني أحاول أن أجد عذري في أنني أصبحت مليئاً بالإحساس بأنني أقترب يوماً بعد يوم من نقطة العجز عن القيام بواجبي كمواطن أولاً وشاعر ثانياً، بسبب ظروف الكبت الذي أتعرض له.

لقد أصبحت مشلول الحركة تماماً ومشلول الحرية في التعبير، ولقمة سهلة في فك العنصرية الإسرائيلية، وأصبحت مهدداً بخطر التعلق على مطاط الصيغ الدبلوماسية لكي أنجو من القانون، إنني لا أشكو لكنني أحاول القول إن شعرة معاوية بيني وبين القانون الإسرائيلي قد انقطعت، وإن طاقتي على الاحتيال والتجاوز قد نفدت، وخصوصاً أنني لم أعد منتمياً إلى شعب يطلب الرحمة ويتسول الصدقات، لكنني أنتمي إلى شعب يقاتل».

هذا هو جزء من كلام الشاعر المناضل محمود درويش في بيانه أثناء المؤتمر الصحفي.. لكن الكلام الأوسع والأشمل لا يزال يحلق في سماء هذه الأمة بنسمات العروبة التي طالما وهب نفسه لها «درويش» تبقي ذكراه دائماً في القلوب.

 

 

Email