دولة فلسطين أم «إمارة» غزة؟!

ت + ت - الحجم الطبيعي

المخطط قديم، وإسرائيل لم تخف نواياها بهذا الشأن، فصل قطاع غزة والتخلص من مسؤوليتها كقوة احتلال، تمهيداً لتحويله لكيان شبه مستقل أو إلقاء عبء المسؤولية عنه على مصر والعرب، بينما يتفرغ الكيان الصهيوني لابتلاع الضفة وتهويد القدس وتحقيق الهيمنة الكاملة من النهر إلى البحر، وإنهاء الحديث عن حل الدولتين وسد الطريق على أي محاولة للحل الآخر، وهو الدولة الواحدة لشعبين بعد الإعلان رسمياً عن عنصرية الدولة الصهيونية وتوجهها للتحول إلى نظام «الأبارتهيد» باعتبارها دولة لليهود فقط، على حساب أصحاب الأرض الحقيقيين من الفلسطينيين العرب.

المخطط قديم، رفضته مصر ورفضه الأردن وقاومه شعب فلسطين حتى كانت مأساة الحرب الأهلية الفلسطينية واستيلاء حماس على مقاليد الأمور في غزة، لتكون طعنة نجلاء أصابت حركة النضال الفلسطيني في مقتل. وعلى مدى أحد عشر عاماً تم إفشال كل محاولات تحقيق المصالحة الفلسطينية. وطوال تلك السنوات كانت استراتيجية العدو الصهيوني تقوم على قطع الأوصار بين القطاع والضفة، وتشديد الحصار على القطاع لخلق أوضاع تجعل منه على الدوام قنبلة موقوتة، مع العمل الدائب لكي يتم توجيه خطرها نحو مصر.. وليس نحو الكيان الصهيوني!

ولا يمكن لمصر أن تتناسى لحظة خطر حقيقي جاءت أثناء العام الأسود لحكم الإخوان لمصر، تم استغلال جزء أساسي من عقيدة الإخوان التي لا تؤمن بالأوطان، خرج المشروع الصهيوني القديم تحت عنوان «تبادل الأراضي» ووفقاً لتصريحات الرئيس الفلسطيني أبو مازن فقد عرض عليه الرئيس الإخواني المخلوع مرسي ضم جزء من أراضي سيناء إلى قطاع غزة، ولما رفض أبو مازن مستغرباً أن يأتي هذا الحديث من رأس السلطة المصرية يومها كان الرد: وانت مالك!!

والمهم هنا أن نتذكر أن الدور القطري كان حاضراً، وكان يشكل مع إخوان مصر، وحماس مثلثاً ينفذ المخطط الصهيوني، ويحظى برعاية قوى خارجية رأيناها تقاتل حتى النهاية في محاولة يائسة لمنع إسقاط شعب مصر لحكم الإخوان، ونراها تقف الآن تكرر المحاولة نفسها لإنقاذ النظام القطري من مصيره المحتوم.

تتحرك الإدارة الأميركية في هذا الملف انطلاقاً من أن السلطة الفلسطينية في أضعف أحوالها بعد ربع قرن، في ظل اتفاقيات أوسلو التي لم تؤد إلى أي شيء يحقق الأهداف الفلسطينية. وانطلاقاً من أوضاع المنطقة العربية والنجاح الذي حققه أعداؤها باستنزافها في حروب ضد الإرهاب والمذهبية والأطماع الإقليمية والدولية، وانطلاقاً أيضاً من خيانات جماعات ظلت لسنوات تعد بأنها «على القدس رايحين.. شهداء بالملايين» فلم توجه رصاصها إلا لصدورنا، ولم تفعل شيئاً إلا خدمة أعدائنا ليسيروا في مخطط استكمال القدس.

وإذا كانت الإدارة الأميركية قد فشلت في الإعلان عما أسمته «صفقة القرن» وقررت تأجيلها أو إعادة النظر فيها، بعد رفض مصر والأردن والسعودية مع السلطة الفلسطينية لما عرض عليها وتمسك الدول العربية بالمبادرة العربية التي تربط الحل بإقامة الدولة الفلسطينية على حدود 67 وعاصمتها القدس العربية، إذا كانت الإدارة الأميركية قد أجلت «صفقتها» إلا أن ما نراه أمامنا يقول إنها ماضية على الطريق الذي يحقق أهداف إسرائيل كاملة.

من هنا كانت خطوة ترامب الكارثية باعترافه بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل سفارته إليها، وبغض النظر عن التصريحات الملتوية لمحاولة تبرير هذه الخطوة الكارثية فإن الهدف كان واضحاً تماماً بتصريح ترامب أنه بقرار القدس يحذف هذه القضية الشائكة من على مائدة أي مفاوضات مقبلة!!

والآن يتركز الصراع حول غزة يراد لها، كما كان الأمر من سنوات، أن تكون عنوان الصراع بدلاً من فلسطين.. في هذا الوقت تتزايد الضغوط على الجانب الآخر لعرقلة جهود المصالحة ولإبقاء غزة تحت سيطرة حماس.

وكالعادة.. يطل الوجه القبيح للنظام القطري، فندرك أن أطراف اللعبة القديمة جاهزون، ونعرف أن المصالحة لن تتم، وأن سيطرة حماس على غزة مازالت مطلوبة، وأن المقاومة التي لا تقاوم ستعلن الهدنة لخمس أو عشر سنوات بلا ثمن سياسي.. وإنما بتسهيلات اقتصادية وبتشغيل المطار الذي كان يعمل قبل استيلائها على غزة، وبفتح المعابر التي كانت يومها مفتوحة تبعاً للاتفاقيات.

يطل الوجه القبيح للنظام القطري، ندرك أن المخطط الصهيوني يسير في طريقه، وأن الإخوان في قطر وغزة لا يطلبون إلا أن تكون هناك إمارة في غزة تهادن العدو الإسرائيلي وتمنحه الفرصة كاملة لكي يتفرغ لمهامه في الشمال ليفعل ما يريد في القدس والضفة.

أياً كان الموقف من السلطة الفلسطينية ومن المنظمات الفلسطينية على مختلف توجهاتها.. فإن وجود غزة مع الضفة تحت سلطة واحدة هي ضرورة حياة للقضية الفلسطينية، لابد أن تتحقق قبل أي اتفاقات تكرس الانفصال وتحقق أهداف العدو.

 

 

Email