محمد بن زايد ربان سفينة السلام

ت + ت - الحجم الطبيعي

بدأت شهور العام في ذاكرة الإمارات تتبارى أيها يحقق إنجازاً أكبر، ولعل شهر يوليو المنصرم يحق له أن يفخر، إذ تحقق خلاله إنجاز تاريخي عربي وعالمي هو المصالحة بين بلدين جارين في القرن الأفريقي، استنزفت الحرب الطويلة بينهما الأموال الطائلة وآلاف القتلى وتعطلت التنمية وازداد الفقر وكل ما تسببه الحروب من خراب ودمار وكوارث.

ففي يوم الأربعاء 25 يوليو طالعتنا الصحافة بخبر هزّ مشاعرنا وأثلج صدورنا ونحن نرى بلادنا الإمارات ممثلة بصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، تتوسط دولة أرتيريا ممثلة بأسياس أفورقي رئيسها وجمهورية إثيوبيا الفدرالية الديمقراطية ممثلة بالدكتور أبي أحمد رئيس وزرائها، في صورة تاريخية لقمة ثلاثية هي قمة (صنّاع السلام).

والسلام بين دولتين عاشتا زمن الحروب الطويلة لا يصنعه إلا الأبطال، وهو لا يأتي محض صدفةٍ ولا بالجهد اليسير، بل سعيٌ حثيث بذلت فيه دولة الإمارات والمملكة العربية السعودية جهوداً متواصلة تكللت بالقمة التي عقدت في أبوظبي، وإعلان السلام بين أرتيريا وأثيوبيا، وكان صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ربان سفينته وحامل رايته.

لقد سار ربان هذه السفينة على هدي مبادئ السلام والمحبة والتسامح التي أرساها والده الشيخ زايد، عطر الله ثراه، فالقاصي والداني يعلم أن الشيخ زايد بحكمته وخبرته وفطنته كان موحداً للصفوف، وهو صاحب القرار التاريخي العظيم بتوحيد الإمارات ونهضتها التي لم تتم لولا تحقق الوحدة بين الإمارات السبع.

صاحب السمو الشيخ محمد بما فيه من سجايا حب الخير والشجاعة والنبل والكرم، وضع نصب عينيه أن يفعل كل ما يعلي شأن دولتنا الغالية، ويعزز حضورها القومي والعالمي، وتحقيق الأمن والسلام بين دولتين متحاربتين ليس بالأمر السهل وبالمقاييس العالمية يستحق أرفع أوسمة السلام.

أجل سيذكر التاريخ لكم يا سيدي هذا الإنجاز العظيم وأنت تعيد البسمة لشعبي أرتيريا وإثيوبيا، ولكي يبدآ عهداً جديداً من التعاون والبناء والتنمية، وسوف تكون ثمار هذا السلام، بيوتاً آمنة، ومدارس جديدة وحقولاً يانعة، ومستشفيات حديثة، وسيقول التاريخ ما قاله الشاعر زهير بن أبي سلمى عندما مدح السيدين (هرم بن سنان والحارث بن عوف) في معلقته الشهيرة:

يميناً لنعم الســـيدين وُجدتـما على كلّ حالٍ من سحيلٍ ومبرمِ

تداركتما عبســاً وذبيــان بعدما تفانوا ودقّوا بينهم عطر منشــمِ

وقد قلتما إن ندرك السّلمَ واسعاً بمالٍ ومعروفٍ من القولِ نسلمِ

فأصبحتما منها على خير موطنٍ بعيدين فيها من عـقــوقٍ ومأثـمِ

ومناسبة هذه الأبيات في معلقة زهير ما ذكرته كتب التاريخ حول حرب داحس والغبراء التي دارت بين قبيلتي عبس وذبيان واستمرت سنوات طويلة، ولم تتوقف إلّا بعد أن توسط كل من هرم بن سنان والحارث بن عوف وكانا من أسياد العرب فبذلا الجهد والمال بالتوسط بين القبيلتين ودفع الديات حتى توقفت الحرب وعم السلام.

من حق الإمارات اليوم أن تفخر، ومن حق يوليو في عام زايد الخير أن يفخر، ومن حق كل إماراتي وعربي اليوم أن يسجل هذا الحدث التاريخي في ذاكرته، فهو حدث سيذكره التاريخ بحروف من نور، ليس فقط لكونه إنهاء حرب دامت عقدين بين بلدين مهمين في القرن الأفريقي.

لكنه حدث في عصرٍ تتكالب فيه الدول الكبرى على إشعال الحروب ومؤسسات ومافيات وتكنولوجيا وأسلحة وأموال توظف لخلق الفتن بين الشعوب وبين الدول، ودول صغيرة تنسلخ عن واقعها لتفتت دولاً أكبر منها، وحين تفشل تشرب سمها فتقع في سوء عملها وحصارٍ يأكل ما زرعت ويهدم ما بنت.

ودول تتدخل في شؤون ومصائر دول. وحروب خفية وحروب علنية وثورات شعوب تريد الخلاص من أنظمة رجعيةٍ سوداء تحاول الرجوع بالتاريخ مئات السنين. لا أحد يبحث عن السلام أو يفكر في صنع السلام.

من هنا تأتي الأهمية التاريخية لصنع السلام بين أرتيريا وإثيوبيا، فمرحى للسلام ولربان سفينته البطل سيدي صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، حفظه الله ورعاه.

 

 

Email