قانون نهاية الديمقراطية أم إسرائيل؟

ت + ت - الحجم الطبيعي

لم يكن إقرار الكنيست «قانون الأساس- إسرائيل الدولة القومية للشعب اليهودي» بأغلبية 62 صوتاً، في التاسع عشر من يوليو عام 2018، مفاجئاً للمهتمين والمتابعين للشأن الإسرائيلي، فمنذ فترة تمتد لما يفوق العقدين يتجه المجتمع الإسرائيلي نحو اليمين والتطرف والفصل العنصري، كما أن القانون الأساسي يعد محصلة وحصاداً وتتويجاً للعديد من القوانين، أقرت مؤخراً وتذهب في اتجاه تعزيز الفصل العنصري، خاصة قوانين الجنسية والإقامة ورخص البناء، وقبلها بوقت طويل «قانون العودة» وقانون أملاك الغائبين، ورغم توقع إصدار «قانون الأساس» الخاص بقومية الدولة الإسرائيلية، فإن ذلك لا يعني التقليل من خطورته والنقلة النوعية والكيفية في تحديد هوية الدولة الدستورية وتداعيات ذلك السياسية والقانونية.

ذلك أنه قبل إقرار هذا القانون الأساس، كان يمكن لإسرائيل التذرع بأن الممارسات العنصرية والتمييزية ضد أبناء الشعب الفلسطيني، لا تعدو أن تكون ممارسات فردية لا تعبر بالضرورة عن سياسة الدولة، أو أنها في أقصى الحالات تطبيق لبعض القوانين والإجراءات، أما بعد إقرار هذا القانون فقد أصبح التمييز العنصري والفصل العنصري والممارسات العنصرية قيمة دستورية فوق القانون.

انتقلت إسرائيل بإقرار هذا القانون رسمياً وفعلياً إلى نظام الفصل العنصري، واعترفت دون أقنعة ومواربة بدونية غير اليهود، وفوقية اليهود على الآخرين في داخل الخط الأخضر والقدس والجولان ومواطني هذه المناطق من السكان العرب.

وخطورة هذا القانون لا تتمثل فحسب في حصر تقرير المصير في أرض فلسطين التاريخية لليهود، وغلق الباب أمام تقرير المصير للشعب الفلسطيني وحل الدولتين، بل تتجاوز ذلك بكثير لتفتح الباب أمام الحل الصهيوني المفارق لقواعد المجتمع الدولي الحديث.

ذلك أن قانون «أساس القومية» يخالف ويحيد المنظومتين القانونيتين اللتين يعترف بهما القانون الدولي، منظومة قوانين الدولة التي يجب أن تسترشد بمبدأ المساواة بين المواطنين ومبدأ سيادة القانون، وكذلك مبادئ وتوجيهات القانون الدولي الإنساني، التي يجب أن تسرى على الأراضي المحتلة، التي تحظر ضم الأراضي وفرض هوية دستورية على سكان هذه الأراضي بالإكراه، فمن ناحية النظام القانوني للدولة والمساواة وسيادة القانون، فإن قانون «أساس القومية» يعزز التفوق اليهودي ويخرق مبدأ المساواة بين مواطني الدولة، بل يجيز التمييز والعنصرية ضد المواطنين غير اليهود، أما من زاوية القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني فإن هذا القانون الأساس يقونن العنصرية والفصل العنصري اللذين تعتبرهما الاتفاقيات الدولية المناهضة للعنصرية جرائم ضد الإنسانية.

أما فيما يتعلق بصاحب السيادة في الدولة، فهو في قانون «أساس القومية» يتحدد كما جاء في البند رقم (1) أن «دولة إسرائيل هي الدولة القومية للشعب اليهودي»، وأن تحقيق حق تقرير المصير فيها «يخص الشعب اليهودي فقط»، وبناءً على هذا التحديد فإن مفهوم الشعب هنا لا يقتصر على اليهود الإسرائيليين المقيمين في أرض الدولة، بل على اليهود المقيمين خارج الدولة، أي في الدول الأخرى بالرغم من أنهم مواطنون في هذه الدول، وهو الأمر الذي يتعارض مع قواعد ومبادئ القانون الدولي، حيث إن المواطنين المقيمين في إقليم الدولة هم أصحاب السيادة باختلاف تنوعهم العرقي والقومي، ومن ثم فإن المواطنة وجموع المواطنين ليسوا مصدر السيادة، بل الانتماء الديني والقومي.

ويمنح هذا البند فرصة للصهيونية وإسرائيل للتدخل في شؤون الدول الأخرى، بذريعة حماية المواطنين اليهود في هذه الدول، وفق المخططات والذرائع الإسرائيلية والصهيونية التي لا نهاية لها، وهو أمر ينبغي أن يحظى بالرفض من كل الدول التي يوجد على إقليمها مواطنون يدينون باليهودية.

يفتح «قانون أساس القومية» الباب واسعاً أمام إسرائيل والسياسات الإسرائيلية للسيطرة والقمع على أبناء الشعب الفلسطيني حيثما كانوا، تحت الاحتلال في الضفة والقدس، وفيما وراء الخط الأخضر، وكذلك في الجولان السورية المضمومة وفق القانون الإسرائيلي، ويتمثل ذلك في جانبين أساسيين، الأول منهما فرض وإملاء هوية دستورية على العرب لا تتوافق مع تطلعاتهم المشروعة، بل تقوض مقومات هذا التطلع وتجرمه، أما الجانب الثاني فيتمثل في حمل العرب الفلسطينيين في الدولة وتحت الاحتلال، والعرب السوريين في الجولان عبء التمويل والإسهام للتمييز ضدهم وممارسة العنصرية والفصل إزاءهم، وذلك من حيث إنهم مواطنون يلتزمون بدفع التزامات ضريبية للدولة، رغم التمييز ضدهم، وذلك بافتراض وجود «الولاء المتبادل بين السكان»، ومن ثم فهم يشاركون بالإكراه في تمويل تحقيق المصالح اليهودية التي تقوض هويتهم وحقوقهم.

على المجتمع الدولي أن يختار بين التحلل من قواعده ومبادئه وانتهاكها على هذا النحو الجسيم، وأن يسمح بالتعامل على أساس مبدأ القوة وشريعة الغاب، أو أن يتصدى لإسرائيل من خلال مقاطعتها وحرمانها من عضوية منظماته وهيئاته، أما الشعب الفلسطيني والدول العربية فليس أمامها خيار سوى النضال ضد العنصرية الإسرائيلية والفصل العنصري وإسقاط قناع الأخلاقية والديمقراطية عن إسرائيل، إنه باختصار قانون العار ونهاية أسطورة الديمقراطية، وربما أبعد من ذلك.

كاتب مصري

Email