المرجفون في الخليج

ت + ت - الحجم الطبيعي

ثقافات سلبية عدة تواجه الدول والمجتمعات، وتستهدف استقرارها وتعايشها السلمي، تحت شعارات برَّاقة، تتجدَّد بتجدُّد الظروف والأحوال، تارة باسم الدين، وتارة باسم الثقافة والفكر، والهمُّ الأكبر لأصحابها تمرير مشاريع أيديولوجية وسياسية خاصة بهم، وقد نجحوا في نشر الفوضى في بعض الدول فيما سمي بالربيع العربي، الذي جلب الخراب والدمار للمنطقة، وهم يحاولون بين الفينة والأخرى تكرار ذلك في غيرها من الدول.

وقد كان الخليج إحدى محطات استهداف هؤلاء، سواء من قبل حركات عنف مسلح لا هم لها إلا ارتكاب عمليات إرهابية إجرامية غادرة، مثل القاعدة وداعش والحوثيين وحزب الله، أو من قبل تنظيمات وشخصيات تحريضية ثورية تبذر الكلمة السوداء لتهييج الناس وحملهم على الثورة والخروج ونشر الفتنة والفرقة في المجتمعات.

وقد سقطت أقنعة كثير من هؤلاء إبان ما سمي بالربيع العربي الذي اجتاح بعض الدول، ووجد فيها المرجفون فرصتهم الذهبية لإسقاط الأنظمة، فسارعوا إلى تأييدها، وأشعلوا المواقع الاجتماعية والمنابر الدينية والإعلامية دعماً لها، آملين أن تمتد نيرانها إلى دول الخليج، ليحققوا مآربهم السياسية، ووظَّفوا قاموساً من المصطلحات لتجميل صورتها مثل الحرية والعدالة والكرامة والحقوق وغيرها، موجهين في الوقت نفسه سهامهم المسمومة إلى دولهم، مستخدمين في ذلك أيضاً قاموساً من المصطلحات مثل الظلم والاضطهاد والاستبداد والفساد ومرادفاتها، لإسقاط شرعية دولهم، وتهييج الناس ضدها.

وكان الإعلام الموجه في بعض الدول وخاصة قناة الجزيرة ظهيراً لهؤلاء، يفتح لهم الأبواب لنشر أفكارهم وتطرفهم، ويلمِّع صورهم، ويمهد لهم الطريق، ويشاركهم في نشر مسلسل الفوضى ونزع الاستقرار وإسقاط الدول ومؤسساتها عبر القنوات والأبواق الإعلامية المتعددة، ومنهم من احتضنتهم بعض الدول الغربية، وسهَّلت لهم فتح المنابر الإعلامية، لنشر خطاباتهم التحريضية ضد دول الخليج، وأتاحت لهم فرصة التمدد وبسط النفوذ بدعوى حرية الفكر والرأي، كما كان لمواقع التواصل العالمية ذات التوجهات الليبرالية الدور الكبير في إتاحة المنابر لهم لنشر ما يريدون باسم الحرية وحقوق الإنسان.

وقد تميزت هذه الشخصيات والتنظيمات بسمة التلون وتجديد الدماء، فهم يتلونون بحسب متطلبات المرحلة، ويلبسون لكل ظرف قناعاً، وقد يمزجون أيديولوجياتهم السلبية بآراء معينة للتغرير بالآخرين، فقد يتبنون آراء تميل إلى جانب الإباحة في بعض القضايا العصرية، وخاصة ما يمس الفنون والترفيه وحوار الحضارات والعلاقة بالآخر، مما يجعل البعض ينخدع بهم، ويظن أنهم دعاة وسطية واعتدال، وحماة الشباب من التطرف والإرهاب، والواقع غير ذلك، إذْ أثبت أنهم جسور لإلقاء الشباب في دهاليز أفكارهم المظلمة، ومن أبرز من سلك هذا المسلك في العصر الحديث في منطقة الخليج القرضاوي، الذي أصدر فتاوى في إباحة الموسيقى والتمثيل والسينما وتجسير العلاقة مع الآخر وغير ذلك، ولكن كشفت الأيام والأحداث أنه من أكبر منظري التطرف والثورات، وأنه قاد الشباب إلى هاوية التطرف والإرهاب، وأن تلك الآراء لم تكن سوى ذَرٍّ للرماد في العيون.

شخصيات دينية وليبرالية عديدة في الخليج تبنت في خطابها الديني والفكري مخرجات سلبية، تدعو للثورة والخروج ودعم التنظيمات المتطرفة والجهات المشبوهة، منها شخصيات متحولة، بعضها تحولت من الاتجاه الديني إلى الليبرالي، وبعضها من الاتجاه الليبرالي إلى الديني، ولكن بقيت عقلية الثورة واحدة ثابتة لديهم لم تتغير في جميع الأحوال، وأصبحت هذه القضية – قضية الثورة والأطماع السياسية - عاملاً مشتركاً بين هذه الفئات، يلتقون حولها، والشخصية الليبرالية التي كانت بالأمس تناصر التنظيمات المتطرفة أصبحت اليوم تسلك نفس هذا المسلك ولكن في اتجاه آخر، فأصبحت تناصر الجهات الخارجية التي تحرض ضد دولته، وتشوه سمعتها في مجال حقوق الإنسان، وتستعدي الرأي العام ضدها.

ولكن بحمد الله باءت جهود هؤلاء المرجفين بالفشل، وبقيت منطقة الخليج عصية عليهم، فقد منَّ الله على أهل الخليج بنعمة الأمن والاستقرار، ونعمة الحكام الحكماء الذين يسعون في خير دولهم وشعوبهم، ونعمة الشعوب الوفية لدولها وحكامها، وهكذا تتحطم ألاعيب المرجفين مهما تلونت وحاولت أن تجدد دماءها على هذه الصخور الشمَّاء.

مدير عام مؤسسة رأس الخيمة للقرآن الكريم وعلومه رئيس مركز جلفار للدراسات والبحوث

Email