الناتو يطلق حملة تسلح لا مبرر لها

ت + ت - الحجم الطبيعي

اختتمت قمة الناتو في الثاني عشر من يوليو الجاري، والتي دامت يومين في بروكسل، بابتسامة عريضة ارتسمت على وجه الرئيس الأميركي، حين أكد قادة الدول الأعضاء، التزامهم بزيادة النفقات العسكرية لبلدانهم، لتصبح 2 % من الناتج الإجمالي المحلي بحلول عام 2024.

وقد سبق لهؤلاء القادة، أن أكدوا باستمرار أنهم أفضل حلفاء الولايات المتحدة، إلا أنهم لم يفوا بالتزاماتهم إزاء متطلبات الناتو الدفاعية، حيث ما زال إنفاق 15 عضواً من الأعضاء الـ 29 في الحلف، بينهم كندا وألمانيا وإيطاليا وإسبانيا وبلجيكا، دون نسبة 1.4 % من إجمالي ناتجها المحلي في 2018.

استهدف الناتو في بيانه الختامي، إيران وكوريا الشمالية وروسيا، معتبراً إياهم مصادر أساسية لقلقه أمنياً، إلا أن التركيز انصب على روسيا، متهماً إياها بالعمل على «تحدي الأمن والاستقرار الأوروبي - الأطلسي، من خلال التدخل في الانتخابات عبر نشاطها السيبراني» ومحملاً إياها مسؤولية التراجع في مستوى الأمن والاستقرار، وجعل الأوضاع الأمنية «غير قابلة للتنبؤ»، ومطالباً بسحب قواتها من أوكرانيا وجورجيا ومولدوفا.

ما حصل عليه الرئيس ترامب، جاء في اليوم الثاني للقمة، بعد أن نجح في تكدير الأجواء وشحنها بالتوتر في اليوم الأول، مكرراً اتهاماته للدول الأعضاء بالتقاعس في الإيفاء بالتزاماتها المالية إزاء الحلف، ومطالباً برفع نسبة النفقات العسكرية، بما يصل إلى 4 % من الناتج الإجمالي المحلي، وهو ما لم يحظَ باستجابة من أحد. وقد خص ألمانيا بالنقد الشديد، حين اتهمها بأنها قد أصبحت «أسيرة روسيا»، بسبب استراتيجيتها في الاعتماد على مصادر الطاقة الروسية عبر أنبوب الغاز الروسي.

تصريحات ترامب هذه أثارت حفيظة وزير الخارجية الأسبق جون كيري، الذي علق بغضب قائلاً «لم أرَ رئيساً يقول شيئاً غريباً أو غير مجدٍ مثل ترامب ضد الناتو وألمانيا، كان الأمر مخزياً ومدمراً، ويقف في وجه المصالح الفعلية للولايات المتحدة الأميركية».

قرارات الناتو في قمته الأخيرة، تعبر عن التزامه بالمبادئ التي تأسس في أطرها، فعند الإعلان عن إنشائه عام 1949، لخص أمينه العام الأول، اللورد هاستينغز ايسايار، الغرض من إنشائه بأهداف ثلاثة في أوربا الغربية: «to keep the Russians out, the Americans in, and the Germans down»، إبقاء الروس خارجاً والأميركان داخلاً والألمان قزماً. فمستقبل هذه المنطقة بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، خيمت على أجوائه احتمال الغزو السوفييتي أو العزلة الأميركية أو عودة النزعة العسكرية الألمانية. فالولايات المتحدة أمينة في التزامها بهذا المبدأ، فهي لا ترغب أن تتحرر أوروبا من عقد الخوف من روسيا، ولا تسمح لألمانيا التي تمتلك كل مقومات النهوض والتفوق، أن تفلت من قبضتها.

التوجه نحو المزيد من النفقات العسكرية، رصده معهد ستوكهولم لبحوث السلام في تقريره الذي صدر مطلع مايو 2018، حيث بلغت النفقات العسكرية لجميع دول العالم 1.739 تريليون دولار عام 2017، بزيادة 1.1 % عن عام 2016. زيادة لها خطورتها على حالة السلم والاستقرار في العالم، إذ إضافة إلى أنها تضعف من قدرات الدول على التنمية وتحسين أوضاع شعوبها، تعمل على «تقويض جهود البحث عن حلول سلميه للصراعات في جميع أنحاء العالم»، كما عبّر عن ذلك يان الياسون رئيس مجلس إدارة المعهد.

والحقيقة أن ميزانيات الدفاع لأعضاء الناتو الأوروبيين لا تعكس شعوراً حقيقياً بالخطر من روسيا أو من أية دولة أخرى، كما أن الولايات المتحدة بميزانية عسكرية قدرها 700 بليون دولار، أي ما يعادل 3.5 % من الناتج الوطني الإجمالي، لا تنطلق من شعورها بالخطر، بل تلبية لحسابات أخرى، تتعلق بوضعها الدولي المتميز عن الدول الأخرى، الذي لا تريد إضعافه.

حملة تسلح لا مبرر لها، يطلقها الناتو في أوروبا، وفق الحقائق التي تستند إلى الأرقام، فقد بلغت الميزانية العسكرية لروسيا 66.3 مليار دولار لعام 2017، بتخفيض قدره 20 % عن ميزانية عام 2016، بسبب المشاكل الاقتصادية التي تشهدها منذ عام 2014، في مقابل ذلك، زاد الإنفاق العسكري في كل من أوروبا الوسطى والغربية بنسبة 12 % و1.7 % على التوالي وفق تقرير المعهد المار ذكره حيث بلغت النفقات العسكرية لأعضاء الناتو في أوروبا وحدها 120 مليار دولار، أي ما يقرب من ضعف الميزانية العسكرية لروسيا في حين بلغت نفقات جميع دول الناتو 900 مليار دولار، أي ما يعادل 52 % من مجمل الإنفاق العسكري في العالم.

كاتب عراقي

Email