إيران والحس السياسي

ت + ت - الحجم الطبيعي

مثلما قدم نظام الملالي في إيران نموذجاً في إساءة استغلال نية التوجه العالمي في منحه فرصة العودة ليكون دولة طبيعية في المجتمع الدولي من خلال توقيع الاتفاقية النووية (5+1) في العام 2015، فإنه اليوم يقدم نموذجاً مماثلاً في سوء إدارة أزمته مع إدارة الرئيس دونالد ترامب من خلال لغة التهديد التي استخدمها رئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية، علي أكبر صالحي، لدول الاتحاد الأوروبي عندما قال في معهد دراسات الشؤون الدولية في النرويج، قبل أسبوعين: إذا لم يبد الأوروبيون معارضتهم تجاه السياسات الأمريكية فإن دول المنطقة والعالم ستواجه مستقبلاً مروعاً.

هذه اللغة الدبلوماسية الإيرانية بجانب أنها تفتقد للباقة في التعامل مع الدول، فإنها تختزل أكثر من أربعة عقود من خبرة التعامل الخليجي تحديداً والعربي بوجه خاص مع النظام الإيراني ولكن لم يكن الغرب يستوعبها عندما كان الخليجيون يؤكدون أن نظام الملالي هو سبب الخلافات في المنطقة، إلا أن الغرب والأوروبيين الذين دائما يدافعون عن النظام الإيراني بدأوا اليوم يدخلون في منعطفاته رغم أن هذه الدول تحاول امتصاص غضب مزاجية ترامب وسخطه عن سلوكيات النظام الإيراني في زعزعة الاستقرار في العالم وفي منطقة الشرق الأوسط.

إن تجربة المجتمع الدولي لتعديل سلوك النظام الإيراني -الذي بدأ يترنح بفعل تأثير العقوبات الاقتصادية الأميركية وحالة الضغط السياسي التي يواجهها إقليمياً ودولياً- أثبتت أنها غير مجدية ولم تغير شيئاً وربما لن تغير شيئاً نظراً لحالة الغطرسة السياسية التي يعيش فيها هذا النظام ونظراً لعدم إدراكه للتغيرات الحاصلة على الساحة الدولية والإقليمية في كيفية التعامل الخارجي والداخلي.

لم يخطر على بال أي مراقب أن تصل وقاحة نظام يواجه مأزقاً سياسياً أن يعمل على معالجته بكارثة أكبر وذلك من خلال العمل على استعداء من يقومون بمساعدته وتهديدهم فهذا الأمر لن يجلب إلا المزيد من الخسائر السياسية خاصة وأنه يعاني في الداخل والخارج وهو ما يعطي انطباعاً أن هذا النظام يسير بلا بوصلة سياسية.

الناظر إلى سلوكيات النظام الإيراني في فترة ما بعد الانسحاب الأميركي من الاتفاقية النووية في التعامل مع الدول التي تساند موقفه بغض النظر عن الهدف منه سواء المصالح السياسية أو تعاطفاً معها يلاحظ على الفور اختفاء الحنكة السياسية التي يتسم بها هذا النظام ومساعدة نفسه على النجاة من الأزمات المتعددة والمتكالبة عليه، فهو ينتقل من حماقة سياسية إلى أخرى تدفعه إلى الصدام مع الكل تقريباً بل إن المؤشرات تقول إنه يخسر كل يوم لأن يختار طرقاً غير سياسية لتحقيق أهدافه.

وبدلاً من أن يعيد نظام الملالي ترتيب أوراقه ويثبت للمجتمع الدولي أنه دولة طبيعية كباقي الدول في العالم وبالتالي يؤكد للرأي العام على عدم صحة توجه إدارة ترامب في التضييق عليه وأنه يتعامل مع المأزق الجديد وفق دبلوماسية تحسين الصورة الذهنية المترسخة عنه فإنه للأسف انزلق في متاهات تؤدي به نحو الانتحار وهذه نتيجة طبيعية للسياسة الاستعلائية وبالتالي خسر قياس التوجهات السياسية في العالم ضده والسبب سوء نواياه وسوء تقديراته وهي صفة معروفة عنه منذ عام 1979 وهي ما زالت تلازمه حتى الآن.

في الواقع هناك عيوب في طريقة تفكير القيادة السياسية الإيرانية تجعلها تبدو في نظر الكثيرين أنها تفتقد إلى العقلانية والمنطق فنظام يمارس التهديد والرعب في الداخل والخارج ويصر على تجاهل كل الحلول السياسية بلا شك أنها تمتلك رؤية غير واضحة عن توقعات الآخرين عنها.

كثيرون يرجعون هذا التصرف الإيراني إلى تيقن النظام الإيراني بأن محاولات الأوروبيين للتخفيف من العقوبات مع الإدارة الأميركية لن يكتب لها النجاح وبالتالي بدلاً من أن يبدو أن تلك العقوبات أمر مفروض عليه ولا يمكن أن تتغير فإنه يقوم بتلك الممارسات عن عمد وقصد الغرض منه إشعال المنطقة بفوضى سياسية كون أن هذا النظام ليس لديه ما يخسره.

يبدو أن مخطط إفشال كل الجهود الأوروبية وغيرها تحول إلى هدف استراتيجي للنظام الإيراني لأنه بدون الاتفاق النووي، وفق فهمه، يكون هذا النظام خسر كل أهدافه في المنطقة وهو السيطرة عليها.

Email