سلاح البالونات الحارقة

ت + ت - الحجم الطبيعي

البالونات للعيد، للفرح، لأعياد الميلاد. قطعة مطاطية خفيفة تُملأ بالهواء فتطير في سماء قاعة أو غرفة أو في الهواء الطلق، يفرح الأطفال بألوان هذا الطائر الذي كان قبل قليل بين أصابعهم الطرية. أما الكبار فإنهم يفرحون فرحين، الأول لفرح أطفالهم الذين يستعيدون فيه طفولتهم، والثاني لأنهم يرفعون رؤوسهم وينظرون إلى الأعلى، وهل من إنسان لا يحب الأعلى؟!

في زمن الاحتلال، تحول كل شيء إلى مقاومة حتى البالونات وكل ما هو قابل للنفخ، صارت سلاحاً كما الطائرات الورقية، صار الطفل رجلاً، المُقعد عدّاء نحو السياج الحدودي، الشهيد طائراً إلى الجنة. وأم الشهيدة مشروع شهيدة. هل تذكرون ملاك الرحمة رزان النجار التي قتلتها قوات الاحتلال، وهي الممرضة مسعفة المصابين والجرحى في مسيرات العودة وأمها التي ارتدت ثوب الإسعاف وراحت تكمل عمل ابنتها الشهيدة؟

هناك، كل ما هناك مختلف. ها هي الابنة تلد أمها، لا ترثها بل تورثها روح المقاومة. الأب يزف ابنه إلى القبر لتبقى البلد مقبرة للمحتل. آه يا بلد!!

لقد أظهرت الأيام الماضية سلاحاً استثنائياً جديداً للمقاومة في غزة، فبعد نجاح الفلسطينيين في تسيير طائرات ورقية حارقة إلى الأراضي المحتلة، استدعوا منتجات غير تقليدية قابلة للنفخ لحرق المزيد من الدونمات من مزارع المستوطنات الكائنة على مشارف القطاع المُحاصر.

ويأتي لجوء الفلسطينيين إلى «المنتجات القابلة للنفخ» ضمن حِيل بسيطة اكتشفوا فعاليتها خلال مظاهرات مسيرات العودة الأخيرة، التي نظموها من 30 مارس (يوم العودة الفلسطيني) حتى منتصف مايو الماضي، في الذكرى السبعين لنكبة 1948، ورفضاً لنقل السفارة الأميركية إلى القدس.

وشكلت الطائرات الورقية، و«البالونات» المنضمة حديثاً إلى أسلحة المقاومة البدائية، تحدياً أمنياً في إسرائيل، لا سيما مع تصاعد غضب المستوطنين من الخسائر الفادحة التي طالت زراعاتهم.

وتتكبد إسرائيل منذ أسابيع خسائر كبيرة بسبب ما تحدثه الطائرات الورقية والبالونات المشتعلة من حرائق في حقول المستوطنات. وذكرت لجنة بالكنيست أخيراً أن الحرائق دمرت أكثر من ستة آلاف فدان في الأسابيع الماضية، ما تسبب في خسائر تقدر بنحو مليوني دولار.

ومع تواصل استخدام سلاح «البالونات» والطائرات الورقية ونجاحها في إشعال الحرائق، تشن قوات الاحتلال غارات جوية وتقصف ما تسميه أهدافاً عسكرية للفصائل الفلسطينية.

صحيفة «تايمز أوف إسرائيل» وصفت استخدام الفلسطينيين للبالونات بأنه «سلاح سخيف» يمكنه أن يؤدي إلى حرب جديدة على غزة. ومن جهتها قالت صحيفة «يديعوت أحرونوت»، إن وزارة الخارجية الإسرائيلية لجأت إلى حملة «كوماندوز علاقات عامة» لمواجهة سلاح «البالون» الفلسطيني.

يذكر أن شباب قطاع غزة نجحوا في تحويل البالونات وكل المنتجات غير التقليدية القابلة للنفخ إلى وسيلة يمكنها إزعاج الاحتلال، وذلك بملئه بغاز الهيليوم الأخف من الهواء وربطه بكتلة من النيران وتركها تطير لتسقط على مزارع المستعمرات المحيطة بالقطاع.

ويستوحى الشبان أفكارهم من تجارب سابقة في انتفاضة الحجارة العام 1987، عندما كانوا يحرقون مساحات كبيرة من الأراضي الزراعية للمستوطنين في محيط قطاع غزة من خلال ربط خيط طويل بذيل قطة وتركها تنطلق عبر الخط الحدودي بعد إحراق طرف الخيط.

حسب إحصاءات رسمية فلسطينية في سبتمبر 2016، فإن عدد سكان قطاع غزة وصل إلى 2 مليون و56 ألفاً و132 نسمة، أعمار 82% منهم أقل من 40 عاماً. ويشهد القطاع يومياً 152 مولوداً جديداً (بواقع 5 مواليد في الساعة)، وأكثر من 4700 مولود شهرياً.

مشكلة اليمين الإسرائيلي المتطرف بزعامة نتانياهو وليبرمان أنه لم يتعلم من دروس الماضي البعيد والقريب، ويصمون آذانهم عن كل صوت إسرائيلي عقلاني يدعوهم للكف عن سياسة القمع والقتل والضم. فهذه الأرض التي يضمونها هي صخور مدببة تنغرس في أحشاء «دولتهم». وهذا الشعب الذي يحاولون إلغاء وجوده عمره في فلسطين الكنعانية أكثر من ألفي سنة، فكيف لدولة كذبة عمرها سبعين سنة أن تطمس حقيقة متجذرة في الأرض والتاريخ؟!

 

كاتب أردني

Email