قراءة في قمة سنغافورة

ت + ت - الحجم الطبيعي

أفضل طريقة لاختبار الصفقة التي توصل إليها دونالد ترامب مع كيم جونغ أون في قمة سنغافورة هي تخيل ما قاله ترامب نفسه لو كان باراك أوباما هو الذي صافح الزعيم الكوري الشمالي. كان ترامب قد سخر بشدة من أوباما وقتذاك بسبب ما وصفه قطعة الورق التي وقعها مع «كيم»، في إشارة إلى الاتفاقية التي تمت في حينه بين واشنطن وبيونغ يانغ، وانتقد ترامب الثناء الذي أحاط حينئذ بكيم الذي وصفه بالطاغية الوحشي، كما انتقد التنازلات التي حصل عليها في المقابل ووصفها بالتافهة. وكان قد وصف الاتفاقية بأنها «صفقة مروعة» وأدان أوباما بسبب توقيعه عليها.

لننظر أولاً إلى ما حصل عليه كيم من اللقاء. فبعد أن كان منبوذاً على امتداد العالم، جرت معاملته كرجل دولة عالمي على قدم المساواة مع رئيس الولايات المتحدة، وعقد الزعيمان لقاءين على قدم المساواة، واصطف وراءهما عدد متساو من أعلام دولتيهما عندما تصافحا. وعرضت لكيم سلسلة واسعة من اللقطات المصورة، بما في ذلك وصوله إلى سنغافورة، حيث تجمهر طابور من «المعجبين» بحسب وصف هيئة الإذاعة البريطانية، الذين أخذوا يلتقطون صور سيلفي شخصية معه، والتي ستعرض ضمن لقطات فيديو ترويجية له على مدى أشهر، إن لم يكن سنوات.

وعلاوة على ذلك، أشاد ترامب بكيم ووصفه بـ«الرجل الموهوب جداً الذي يحب بلده كثيراً»، وأنه أثار إعجابه لقدرته على السيطرة على كوريا الشمالية في مثل هذه السن المبكرة و«إدارة زمام الأمور بقبضة حديدية»، وذلك بحسب ما أشار إليه في مؤتمر صحافي في وقت لاحق.

ولم يكن هناك أي إدانة حماسية لوحشية نظام كيم من جانب ترامب الذي تحفظ على كلمة «النظام» التي أشارت إليها إدارة كلينتون لنظام الحكم الكوري الشمالي في التسعينيات من القرن الماضي.

وعندما سئل ترامب عما إذا كان قد تحدث عن حقوق الإنسان في محادثاته مع كيم، قال إنه تمت مناقشتها «بإيجاز». كانت تلك أقصى الكلمات التي كان يستخدمها بشأن نظام عرّض شعبه لمجاعة تسببت بمصرع ثلاثة ملايين شخص.

وهكذا غادر كيم سنغافورة بعد أن اكتسب الكثير من الشرعية الدولية التي سعى إليها النظام الحاكم لعقود من الزمان. لكن الهدايا التي منحها ترامب لكوريا الشمالية لم تنته عند هذا الحد، إذ أعلن إنهاء التدريبات العسكرية الأميركية في شبه الجزيرة الكورية أو «المناورات الحربية» التي وصفها بالمكلفة. كما ألمح ترامب إلى اعتزامه إجراء انسحاب نهائي للقوات الأميركية البالغ عددها 28 ألف جندي، المتمركزة في شبه الجزيرة الكورية.

وما الذي قدمه كيم لترامب مقابل هذه الحقيبة المنتفخة من المنح الجيدة؟ كان التنازل الأساسي، الذي استند إليه ترامب مراراً وتكراراً، وعد من الزعيم الكوري الشمالي «بنزع السلاح النووي بالكامل». كان ترامب يباهي بهذا الأمر وكأنه التزام كوري شمالي بتفكيك ترسانته النووية على الفور. من المؤكد أن مثل هذا الالتزام سيكون بمثابة جائزة كبرى، تستحق كل التهنئة، حيث كان ترامب يجد للحصول عليها.

ولكن إذا أمعنا النظر في التفاصيل الدقيقة لنص الاتفاق نجد أنه ينص على: «تلتزم كوريا الديمقراطية بالعمل من أجل نزع السلاح النووي الكامل لشبه الجزيرة الكورية». ووعد كيم بعدم «نزع السلاح النووي الكامل»، بل ببساطة «العمل نحو تحقيق هذه الغاية».

بالطبع فإن المفاوضين في جميع أنحاء العالم يعرفون لغة الخداع التي يمكن استخدامها مقابل عدم تقديم التزام حقيقي. لقد اكتفى كيم بتقديم تطلعات، وليس خطة ملموسة، ولم يحدد موعداً نهائياً أو جدولاً زمنياً لنزع ترسانته النووية.

بالطبع من الأفضل للعالم أن يتصافح ترامب وكيم بدلاً من تبادل الشتائم وتهديد بشن حرب نووية، لذلك يجب أن نكون ممتنين. ومن الممكن أيضاً أن يتمسك وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، بالتفاصيل ويعمل على سد الثغرات المتراكمة في الاتفاقية. لكن في الوقت الحالي، لا يعد هذا الاتفاق سوى إنجاز تاريخي لسلالة كيم، التي تعززت الآن سيادتها بشكل كبير على دولة مستعبدة.

Ⅶكاتب في الغارديان

Email