انفراجة لصالح مصر في قضية سد النهضة

ت + ت - الحجم الطبيعي

ربما يحمل رئيس الوزراء الإثيوبي الجديد كل الصفات والمؤهلات التي تُمكنه من إخراج ملف سد النهضة من أزمته الراهنة التي تتمثل شكلاً في تعطيل المسار الفني، وعدم قدرة أطراف التفاوض على الوصول إلى معايير واضحة ومحددة يمكن أن تحدد حجم الأضرار التي يمكن أن تقع على دولتي المصب، مصر والسودان بعد اكتمال بناء السد، وطبيعة هذه الأخطار ومدى جسامة تأثيرها على الحياة خاصة في مصر التي تكاد تعتمد في وجودها على مياه النيل، من دونها تنعدم الحياة لأنها لا تملك مصادر أخرى للمياه يمكن أن تغنيها عن مياه النيل، لأن نسب سقوط الأمطار فوق أراضيها شحيحة وغير مؤثرة، إضافة إلى ضعف مواردها من المياه الجوفية المحدودة غير المتجددة التي لا تغطي أدنى نسبة من احتياجات مصر لمياه الشرب والزراعة، وإذا كان سد النهضة يمثل بالنسبة للإثيوبيين أملاً كبيراً في التنمية الشاملة اعتماداً على الكهرباء التي يمكن توليدها من مساقط المياه على طول النهر الأزرق، فإن سد النهضة يمثل بالنسبة لمصر قضية حياة أو موت لأن انتقاص 2% فقط من حصة مصر بما يساوي مليار متر مكعب من المياه يؤدي إلى بوار 200 ألف فدان يمكن أن يعيش عليها 200 ألف أسرة مصرية، ومن ثم فإن أي ضرر يلحق بحصة مصر الراهنة هو في الحقيقة ضرر جسيم لا تستطيع مصر احتماله.

لكن هذه المفارقة الصعبة لا تشكل معادلة مستحيلة، يصعب معها التوفيق بين مصالح مصر ومصالح إثيوبيا، لأن الله حبا إثيوبيا فيضاً واسعاً من مياه الأنهار والأمطار فضلاً عن كم هائل من المياه الجوفية المتجددة أبداً يفيض كثيراً عن حاجتها، يجعل كل مطالبها من النيل الأزرق وقفاً على الكهرباء وليس المياه، وهذا ما تعترف به إثيوبيا التي يهمها من مياه النيل الأزرق مساقط المياه التي تشكل مصدر توليد الكهرباء، بما يعطي الأمل في حل صحيح لأزمة سد النهضة يحقق مصالح الشعبين، لكن مثل هذا الحل هو في جوهره حل سياسي، يحتاج إلى تكامل المصالح بين البلدين ووضع علاقاتها في إطار جديد يوثق مصالحها على نحو مترابط يقوم على الشفافية الكاملة والاعتماد المتبادل، بما يقطع بأن المشكلة في جوهرها ليست فنية تماماً ولكنها سياسية بالدرجة الأولى، تحتاج بالفعل إلى النوايا الحسنة وتوافر الإرادات السياسية وربط مصالح البلدين بما يحقق تكاملهما، وخروج البلدين من دائرة الشكوك المتبادلة وتضييع الجهد في غير طائل، والمراوغة أملاً في كسب المزيد من الوقت، إلى دائرة الوضوح والشفافية، وما يجعل من هذا التوقيت هو اللحظة المناسبة أن بناء السد قطع شوطاً مهماً جعل من الضروري لكل الأطراف أن تواجه الأسئلة الصعبة التي ينبغي سؤالها، متى يبدأ ملء خزان سد النهضة؟! وكيف يتم ذلك، وهل تستطيع إثيوبيا بقرار منفرد أن تتخذ هذا القرار وحدها (قرار الملء دون تشاور مع دولتي المصب؟) أم أن اتفاق المبادئ يلزم إثيوبيا الاتفاق مع مصر والسودان على كيفية ملء خزان السد ومدته، وهل يمكن تحقيق قدر من التنسيق المشترك بين عمل سد النهضة وعمل السدود الأخرى في السودان ومصر خاصة السد العالي لتقليل حجم الأضرار التي يمكن أن تقع إلى الحد الأدنى، ويعظم الاستفادة من هذه السدود إلى الحد الأقصى خاصة أن ثمة اتفاقاً أساسياً يربط مصر والسودان وإثيوبيا، يلزم الجميع بالتوافق على إجابات واضحة لهذه الأسئلة، بحيث لا تستطيع إثيوبيا منفردة أن تبدأ ملء خزان سد النهضة دون أن تتوافق الأطراف الثلاثة على كيفية هذا الملء.

وثمة وعود وتصريحات إثيوبية شفهية عدة تبعث برسائل طمأنينة إلى المصريين، تؤكد أن مصر لن تُضار في كوب مياه واحد من مياه النيل، وأن إثيوبيا لن تنتقص شيئاً من حصة مصر، لكن هذه التصريحات الشفهية تظل نوعاً من الأماني لا يوثقها حتى الآن مستند رسمي إثيوبي واحد يؤكد حق مصر التاريخي الثابت في مياه النيل، يجعل هذه الطمأنينة حقيقة واقعة، ولهذا اتسم التفاوض مع إثيوبيا بنوبات تفاؤل وتشاؤم عدة دون أن يكون هناك خط واحد واضح صعوداً أو هبوطاً يجعل الأمور أكثر شفافية ووضوحاً، وزاد من مصاعب التفاوض مع إثيوبيا، أن المواقف العربية لم تكن على قدر من الاتساق يجعل من الصعب على إثيوبيا أن تخترقها بحثاً عن استثمارات عربية تعوض نقص التمويل العالمي لسد النهضة، بسبب رفض المؤسسات المالية الدولية عملية التمويل دون وجود اتفاق كامل بين دول حوض النيل، وربما تكون الوثيقة الوحيدة الأساسية التي وقعتها إثيوبيا وتتضمن عدداً من المبادئ الحاكمة التي تقر بحقوق دولتي المصب، السودان ومصر، هي إعلان اتفاق المبادئ الذي يمثل الإطار القانوني والسياسي الحاكم، والذي أكد ضرورة الالتزام بالاحتياجات الوجودية لمصر، وأضع خطين تحت كلمة الوجودية، كما أكد ضرورة الالتزام باحتياجات إثيوبيا التنموية وأن هدف إثيوبيا من بناء سد النهضة هو الطاقة وليس المياه، كما نص اتفاق المبادئ على ضرورة استكمال الدراسات الفنية لمعرفة الآثار الجانبية للسد على دولتي المصب، وأن المبدأ الحاكم لإعلان المبادئ هو تحقيق مكاسب مشتركة للجميع دون الإضرار بمصالح أحد.

Email